صفحة:مفيد العلوم ومبيد الهموم.pdf/64

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

٤٨

وهذا العمري منهج قويم ومذهب الاستقامة وقال جمهور المحققين أن الروح هي الحياة وأن الحياة عرض يقوم بالحي فمتى وجد فيه يكون حيًا وإذا عدم فيه فقد حصل ضده وهو الموت والدليل عليه أن المحدثات على نوعين صفة وموصف باتفاق العلماء ومحال أن تكون الروح موصوفًا جسمًا له لأن الجسم والجوهر لا يصيران صفة الحي وإنما يكون مجاورًا فالمجاور لا يكتسب صفتًا ولا وصفًا لما جاوره ولا يوجب التغير والتبديل وكان يجب أن يكون القالب خاويًا كما كان إذا جاور الحي ميتًا أو جمادًا فلما كان الأمر بخلافه علمت أن الروح غير جسم والدليل عليه أن الروح لو كانت جسمًا أو جوهرًا لصح أن يكون حيًا وقابلًا لسائر الأعراض والجواهر وذلك محال في صفة الروح فإذا ثبت هذا ثبت أن الروح صفة وهذا ظاهر لا إشكال فيه فان قلت بقي أشد من أشده فقد خالفت صاحبك الأشعري الألمعي وخالفت الكتاب، فإن الله تعالى يقول ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ فلو كانت الروح صفة ما صح قبضها لأن الصفة لا تقبض وكيف ترفع في حواصل طيور خضر والجواب أن نقول عرفت شيئًا وغابت عنك أشياء أما صاحبي فما خالفته فأنه أحد قوليه المنصور في بعض كتبه وأما قبض ملك الموت فمعناه أن الله تعالى جعل إليه جذب الأنفاس والهواء الذي في مجاري العروق فعنده يخلق الموت الذي يضاد الحياة ألا ترى أن الأنفاس تتتابع عند النزع ويقع الاضطراب فيحكم فيه بالوفاة فحيث قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا فمعناه يخلق الموت ويأمر به وحيث قال: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ يعني يقبض ويجذب وحيث قال: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ فمعناه يسوقون العباد إلى القبض فانظر إلى هذا التحقيق والتدقيق الذي يتقاطر عنه ماء التوفيق ولا تلتفت إلى قول الفلاسفة الكفار واليونانية الضلال أن