صفحة:معركة الإسلام والرأسمالية (1952) - سيد قطب.pdf/76

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
– ٧٢ –

الموسيقى المنبعثة من الجوقة، والتراتيل الخاشعة، والأبخرة الأريجة العطرة ...

ولكنه حين يغادر الكنيسة يجد قانوناً آخر يحكم الحياة الواقعة ويصرفها، ويجد مجتمعاً يقوم على أساس هذا القانون، الذى لا علاقة بين روحه وروح المسيحية.

وكثيراً ما ذهبت إلى هذه الكنائس، واستمعت إلى الوعاظ فى الكنيسة، وإلى الموسيقى والتراتيل والأدعية، وكثيراً ما استمعت إلى إذاعة الآباء فى محطات الإذاعة فى الأعياد المسيحية.. دائماً يحاول الآباء أن يعقدوا الصلة بين قلب الفرد وبين الله. ولكن واحداً منهم لم أسمعه يقول: كيف يمكن أن تكون مسيحياً فى واقع الحياة اليومية، ذلك أن المسيحية إنما هى مجرد دعوة لتطهر الروحي، ولم تتضمن تشريعاً للحياة الواقعة، بل تركت ذلك لقيصر.

وكان من أثر هذا فى العالم المسيحي أن أصبحت المسيحية فى جانب والحياة الواقعة فى جانب؛ وعلى توالى الأزمان أصبحت المسيحية محصورة داخل الكنيسة، والحياة من حولها أبعد ما تكون عن روحها السمحة المتطهرة. فلما نشطت الكنيسة فى السنوات الأخيرة للاتصال بالجمع من جديد، لم يكن منها أن ترفع الناس إليها، بل كانت طريقها أن تهبط هى إلى الناس. وإذا قلت تهبط، فلست أعنى أنها تتبسط