صفحة:معركة الإسلام والرأسمالية (1952) - سيد قطب.pdf/27

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
– ٢٣ –

ولقد مضى على مصر أكثر من ربع قرن منذ تسلمت مقاليدها؛ وتوالت على حكمها الوزارات والأحزاب. وما من عهد من هذه العهود خلا من الاستثناء البغيض. تارة بالآحاد والعشرات، وتارة بالمئات والألوف. حتى شاع في الدواوين وعلى ألسنة الناس أن الواسطة هى الطريق الوحيد القصير؛ ووقر فى ضمائرهم أن لا شىء يعدل أن تكون ذا جاه، أو محسوباً، أو أن تسلك على أية حال طريقاً غير مستقيم!

ومتى فقدت النفوس الثقة في الخير والواجب، والأمانة والضمير؛ فقد فسد كل شىء، وسرى القلق والتوجس، وعم الإهمال والاستهتار. وقد انتهينا إلى هذا، وانتهينا معه إلى ما هو أدهى: انتهينا إلى الشك المطلق في صلاحية الإدارة المصرية، وإلى الترحم على أيام الاحتلال وهذه كارثة. فليس أخطر من أن يكفر المواطن بوطنه وبشعبه وبنفسه.

إن الجريمة التي ارتكبتها سياسة الاستثناء هي هذه الجريمة. جريمة تزعزع ثقة المواطنين في الحكم الوطنى. جريمة انهيار الشعور الداخلى بقيمة الاستقلال، وبضرورة الاستقلال!

***

إني أتهم ... أتهم الأوضاع الاجتماعية القائمة بأنها تدفع بالناس دفعًا إلى أحضان الشيوعية، وبخاصة ذلك الجيل الناشئ من الشبان الأبرياء.

حين يقال للملايين من الكادحين الذين لا يجدون ما ينفقون: إن الشيوعية تضمن لكم كفايتكم؛ وتمنع الترف الفاجر الذى يزاوله أثرياؤكم.. يكون لها فعل السحر في نفوس الجماهير.