صفحة:معركة الإسلام والرأسمالية (1952) - سيد قطب.pdf/18

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
- ۱٤ -

ودعك بعد هذا من تلك الخرافة التي تتحدث «الأمة مصدر السلطات» وعن حق الانتخاب وحرية الاختيار.. إنها خرافة لا تستحق المناقشة، فهذه الأمة مصدر السلطات هى هذه الملايين الجائعة الهزيلة، الجاهلية المستغفلة. هذه الملايين المشغولة نهارها وليلها بالبحث عن اللقمة. الملايين التي لا تملك أن تفيق لحظة لتفكر في ذلك الترف الذي يسمونه حتى الانتخاب وحرية الاختيار. الملايين التي يشير لها السادة فتنتخب، ويشير لها السادة فتمتنع؛ لأن هؤلاء السادة هم خزنة أرزاقها وأقواتها؛ وملاك الإقطاع الذي يؤوى هؤلاء الجياع!

إنها خرافة أن تتحدث في عهود الإقطاع عن الدساتير والبرلمانات. ونحن نعيش في عهود الإقطاع بكل مقوماتها؛ لا ينقص منها شىء إلا تبعات السيد تجاه رقيق الأرض، فقد سقطت عنه هذه التبعات في عصر الدستور! أجل فلقد كان السيد فيا مضى مسؤولا عن رقيقه، يزوّج بناتهم ويمنحهن؛ ويعالجهم إذا مرضوا، ويؤدى عنهم نفقات الجنائز والأعياد.. فأسقط عهد الدستور كل هذه التكاليف عن كاهله، وأتى له الرقيق، يأكل من أبدانهم ما يشاء كيف شاء!

إن الحديث الدساتير والبرلمانات يصاح مادة فكاهة، يتسلى بها الفارغون. ولكنه لا يصلح حديث أمة تريد الجِد، وتنظر إلى الواقع بعين الاعتبار!

***