فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه فلهذا قال ﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَآءً ظَٰهِرًا﴾ أي لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام وأن ينبه على الصحيح منها ويبطل الباطل وتذكر فائدة الخلاف وثمرته لئلا (يطول) النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته فيشتغل به عن الأهم فأما من حكى خلافاً في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص إذ قد يكون الصواب في الذي تركه أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضاً فإن صحح غير الصحيح عامداً فقد تعمَّد الكذب أو جاهلًا فقد أخطأ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته أو حكى أقوالاً متعددةً لفظاً ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان وأكثر مما1 ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور والله الموفِّق للصواب.
إذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة ولا وجدته عن الصحابة فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين كمجاهد بن جبر فإنه كان آية في التفسير كما قال محمد بن إسحاق حدثنا أبان بن صالح عن مجاهد قال عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها، وبه إلى الترمذي قال حدثنا الحسين بن مهدي البصري حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (قال) ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئاً، وبه إليه قال حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن الأعمش قال قال مجاهد لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت، وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب قال2 حدثنا طلق بن غنام عن عثمان المكي عن أبي مليكة قال رأيت مجاهداً سأل (ابن عباس) عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فقال ابن عباس اكتب حتى سأله عن التفسير كله، ولهذا كان سفيان الثوري يقول إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به — وكسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء ابن أبي رباح والحسن البصري ومسروق بن الأجدع وسعيد بن المسيب وأبي العالية والربيع وابن أنس وقتادة والضحاك بن مزاحم وغيرهم من التابعين وتابعيهم ومن بعدهم فتذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ يحسبها من لا علم عنده اختلافاً فيحكيها أقوالاً وليس كذلك فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو نظيره ومنهم من ينص على الشيء بعينه والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن فليتفطن اللبيب لذلك والله الهادي. وقال شعبة بن الحجاج وغيره أقوال التابعين في الفروع ليست حجة فكيف تكون حجة في التفسير يعني أنها لا تكون حجة على غيرهم ممن خالفهم وهذا صحيح أما إذا أجمعوا