تم التّحقّق من هذه الصفحة.
بعيد عن المشاهدة عديم التجربة. فيضطر والحالة هذه أن يجتهد في الأمر فيتذرع بالمنطق. ويعمل أحياناً بما نريد أن نسميه الاجتهاد السلبي وأحياناً أخرى بالاجتهاد الإيجابي.
والاجتهاد السلبي هو ما عبَّر عنه المناطقة بقولهم «السكوت حجة» ومعناه أن يتمكن المؤرخ من القول بأن كذا وكذا لم يحدث لأَن الأصول خالية منه. وهو أمر خطير للغاية. فقد يكون السكوت حجة وقد لا يكون. ولا بد من التأكد من أمور ثلاثة قبل التذرع بمثل هذه الحجة. وهي ما يأتي:
- ١) أن يكون المؤرخ على يقين جازم من أمر اطلاعه على جميع الأصول.
- ٢) أن لا يعتريه شك في أن ما لديه من الأصول هو جميع ما دوَّنه السلف في الموضوع الذي يبحث. وأنه لم يضع منها شيء. فإنه بضياع الأصول يضيع التاريخ معها. وليس من حق المؤرخ إذا فقدت الأصول أن يقطع برأيٍ ما. وهكذا فإن التذرع بمثل هذه الحجة هو أشد خطراً في التاريخ القديم مما هو في التاريخ المعاصر. وذلك لأَن إمكانية الضياع في الأصول القديمة هي أشد بكثير منها في الأصول المعاصرة.
- ٣) أن يتأكد من استحالة السكوت في الأصول عن الموضوع الذي يدرس. فقد تسكت الأصول عن أمور شتى تكون قد وقعت في الماضي وذلك لأسباب منها جهل الراوي لها ومنها قلة اعتنائه بها ومنها تحذير الحكومة نشرها. فإذا ما سكنت الأصول مثلاً عن فسق وزير من- ١١٨ -