الوزراء لا يجوز للمؤرخ أن يستنتج أنه كان شهمًا فاضلاً أو أنه كان غير فاسق.
وهكذا فإن حجة السكوت لا تتم إلا إذا اقترن بالراوي حالتان لا تنفصلان: أولاهما أن تكون الوقائع التي يمكن أن يكون قد سكت عنها وقائع يهتم بها اهتماماً شديداً، والثانية أن يكون الراوي قد صمم على تدوين جميع الأخبار التي أحاط علماُ بها.
ومما اختبرناه من هذا القبيل، أننا منذ أعوام عديدة، بينما كنا نقلب صفحات بدائع الزهور في وقائع الدهور لابن أَياس، للوقوف على أخبار الفتح العثماني، لم نجد ذكراً فيها لتخلي المتوكل على الله، آخر الخلفاء العباسيين، عن حقوقه في الخلافة للسلطان سليم العثماني. فرأينا أن نتابع البحث قليلاً لنتأكد من هذا الأمر. ولا سيما والحكومة التركية كانت قد أثارت البحث في هذا الموضوع بعد خلع آل عثمان وإعلان الجمهورية.
فأعدنا النظر في كلام ابن إياس. وقرأنا فيه ثانيةً «أخبار واقعة مرج دابق واحتلال حلب ودمشق وغزة وواقعة الريدانية ودخول العثمانيين القاهرة وخروجهم منها ورجوعهم ظافرين للقسطنطينية. قرأنا هذا كله ولم نجد ذكراً للخلافة فيه ولا لتخلي المتوكل عنها. ولم يكن ابن إياس ممن يعتنف الأمور فيأتيها بغير علم ولا ممن يغفل عن الحوادث ولا سيما إذا كانت ذات شأن. فإنك لو قرأت ما كتبه من أخبار سنة ١٥١٦ و١٥١٧ عن السلطان سليم وعن علاقته بالمتوكل ظننت أنه كان يتعقب خطواتهما ويسأل عنهما كل وارد وصادر. تراه يذكر ما تحادثا به