صفحة:ما هي النهضة-سلامة موسى-1935.djvu/8

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

ما هي النهضة


وحسب ابساماتيك أن هذه نهضة، مع أنه كان يفصل بينه وبين خوفو من السنين مثلما يفصل بيننا نحن وبين ابساماتيك نفسه.

«عودوا إلى القدماء».

كان هذا شعاره، وكان شعار الأفلاس؛ لأن مصر كانت في عصره أسمى مما كانت أيام خوفو كما يمكن أن نعرف ذلك مما قام به خلفه «نيخاو» الذي هيأ سفنا تدور حول أفريقيا، أين بناء الأهرام من مثل هذا العمل العظيم؟

إن ظروفا جديدة نشأت في الدنيا المحيطة بمصر، وكانت تحتاج إلى استنباط جديد. ولم تكن تحتاج إلى الرجوع إلى الوراء نحو ٢٥٠٠ سنة تقريبا.

ولم تمض على مصر بعد ذلك مئة سنة حتى كان الأعداء من الأشوريين والفرس يكتسحونها ويغتالونها، ولم ينفعها شعار: عودوا إلى القدماء.

فيما بين سنة 500 وسنة ۱۰۰۰ استولى الظلام على أوروبا. وكان ظلاما حالگا؛ لأن الثقافة كانت وقفا على الرهبان، يبحثون جغرافية العالم الآخر، وهم لا يدرون جغرافية هذا العالم، ويشرحون للناس كيف يجب أن يموتوا بدلًا من أن يشرحوا لهم كيف يجب أن يعيشوا، ويشتبكون في مشكلات «ذهنية» أولى بها أن يبحثها الأطفال وأن يضحكوا منها، مثل قيمة الرقم 7 في الدنيا والآخرة، ومثل عدد الملائكة الذين يمكنهم أن يقفوا على رأس إبرة، ومثل مكان الروح من الجسم. الخ ...

كانوا يبحثون العقائد لا الحقائق.

ولكن رويدا رويدا تنبه الأوروبيون إلى أنهم جهلاء، ونظروا حولهم فوجدوا أن الأمم الإسلامية في إسبانيا وفي الشرق تحيا حياة القوة والذكاء، فقصدوا إليها يدرسون وينقلون مؤلفات ابن رشد، وابن سينا، وابن طفيل، وابن حزم، وغيرهم.

ثم لم يقنعوا بما ألفه المسلمون، إذ هم نقلوا أيضا للغة اللاتينية مؤلفات الإغريق القدماء التي كان المسلمون قد ترجموها إلى اللغة العربية، فعرفوا أفلاطون وأرسطوطاليس عن طريق اللغة العربية.

واستطاعوا أن يعرفوهم أكثر عندما هاجر الإغريق من القسطنطينية إلى أوروبا الغربية، فأصلحوا أخطاء الترجمة التي كان المترجمون المسلمون قد وقعوا فيها عندما نقلوا أرسطوطاليس وأفلاطون وغيرهما إلى اللغة العربية.

ومضى الناهضون يجترئون ويفكرون.