صفحة:ما هي النهضة-سلامة موسى-1935.djvu/9

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

مقدمة

ولكن رويدا رويدا اتضح لهم أنهم قد خرجوا وتخلصوا من قدماء الكنيسة إلى قدماء الإغريق.

قدماء بدلًا من قدماء.

وإن العرب لا يختلفون عن القدماء؛ لأنهم اعتمدوا عليهم، أي: على القدماء، حتى إن ابن رشد كان يعتقد أنه لم يخلق في العالم إنسان مثل أرسطوطاليس.

وعندئذ تساءل هؤلاء الناهضون: «هل المعارف الحقة الصادقة تؤخذ من الكتب القديمة أو تؤخذ من الطبيعة؟»

فقد كانوا يدرسون الطب مثلا في كتب جالينوس وابن سينا، ولكنهم لم يكونوا يعرفون تشريح الجسم البشري.

وهنا نجد رجلا الماني الأصل سويسري الوطن، ولد في ١٤٩٣، يدرس القدماء ثم يلعنهم بدلا من أن يبارك عليهم، هو «بارا كيلسوس».

والاسم عجيب، فإنه اختاره لنفسه وترك اسمه الميلادي، ومعنى هذا الاسم «فوق كيلسوس

و کیلسوس هذا الذي أعلن أنه فوقه عالم روماني كانت له موسوعة تدرس في الجامعات أيام القرون الوسطى بل بعدها.

أي: إن بارا كيلسوس يقول: «أنا فوق القدماء، أنا فوق عالِمكم المحترم كيلسوس».

ولم يكتف بهذا، فإنه كان يلقى محاضراته في مدينة «بازيل» باللغة الألمانية، وهنا قف قليلًا:

ذلك أن التعليم كان إلى وقته وبعد وقته باللغة اللاتينية في جميع جامعات أوروبا، ولكنه هو أبى أن يلقي محاضراته بهذه اللغة القديمة.

كان شعبيا، كان عاميا، أي: كان مع الشعب.

واجترأ على أن يعلم بلغة العامة، اللغة الألمانية، وكان أول من أقدم على ذلك في أوروبا جميعها.

وكانت محاضراته خاصة بالطب والعلاج.

وذات صباح بعد اختبار وقلق، وتساؤل وأرق، رأى أن يقف الموقف الحاسم في تاريخ أوروبا؛ بل في تاريخ الإنسان.

فلم يذهب إلى الكلية لإلقاء محاضراته كما كانت عادته.

ولكنه جمع مؤلفات ابن سينا ومؤلفات جالينوس، وحملها على ظهره إلى أن وصل وهو يلهث إلى ميدان المدينة، وهناك وضعها أمامه على الأرض وشرع يخطب: