صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/80

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

كذلك لا يدعك تسأم أو تمل ، وهو يحشد في غزلياته ما لا يحصى من الاشارات إلى أحداث التاريخ ، وسير العشاق ، وقصص القرآن والكتب المقدسة ، والأساطير ، وطبائع الطير والحيوان ، واصطلاحات الفلك والهندسة والطب ، وإشارات التصوف ورموز أهل الطريق . ( تلك العجيبة المدهشة هي روح حافظ الحلوة ، التي تطالعك في غزلياته المكرورة ، وهي روح أنيسة لطيفة عذبة ، ، تشيع في محياك الابتسامة الراضية عن هذا الصديق الودود ، الذي لا تملك إلا أن تنصت له وتهش لحديثه ، ولو راح « يخرف » في بعض الأحيان وأنا أعنى كلمة « بخرف » هذه . فحافظ في كثير من الأحيان – إن لم يكن في جميع الأحيان يطالعك بوجه « درویش » « يخطرف » في حديثه ، ويلقى كلة من هنا وكلة ليخيل إليك في بعض الأحيان أنه لا توجد في « الظاهر » رابطة بين الإشارات والإيماءات ، إنما تربطها في « الباطن » رؤى درويش متصوف ، تطالعه من وراء «الغيب» فيرمز لها ولا يبين . ولكن هذا لا يعني التفكك في أسلوب حافظ الشعرى . فوراء هذه الإشارات والإيماءات جو موحد تعيش فيه الغزلية الواحدة ، بل تعيش فيه الغزليات جميعاً ، ذلك هو جو « الشهود » » إذا استعرنا اصطلاحات الصوفية ، ومالنا ألا نستعير هذه الاصطلاحات وحافظ في غزلياته يتبع « طريق » الصوفية في التعبير ، وطبيعتهم في الشعور ؟ رجو « الشهود » هذا هو الذي يجعلك تقبل من حافظ إيماءاته وإشاراته المتناثرة ، فكلها أصداء لطيفة لانفعالات شاردة ، تتوالى على حس مرهف ، في « حضرة » الحبيب ، ويربطها جميعا ذلك الرباط اللطيف الدقيق . خذ مثلا هذه الغزلية : - – ۷۶ – من هناك 6 حتى -