صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/79

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۷۵ – وفى أغاني حافظ ، كما في رباعيات الخيام الفارسيين ، وكذلك في أشعار تاجور الهندي – على بعد ما بينهم في الإحساس والاتجاه – ذلك الروح الشرقي العميق ، الذي يستطيع اليوم أن يسعفنا ، ويحفظ اتزاننا الشعوري في وجه التيار . وهذا هو ما أعنيه باسترواح الشرق البعيد ، فليس نموذجا واحداً ما أريد ، ولكنها نماذج شتى ، تجمعها سمات أصيلة ، تعبر عن الموروث والمذخور في نفس الشرق من رصيد ( والآن فإلى غزليات حافظ أو أغاني شيراز : إنها لعجيبة مدهشة تلك التي تجعل القارىء يتابع حافظا في لذة وارتياح ، فلا يمل ولا يسأم ذلك التكرار الذي لا ينتهي في الغزليات ، وذلك اللعب بالنسكات اللفظية والتعبيرية التي تزحم الديوان ، والتي كانت نظائرها في شعر البديعيين في اللغة العربية كفيلة بإسقاط هذا الشعر ، وكفيلة كذلك بالسأم والضيق إلى حد الاختناق(۱) . ولكن حافظا لا يدعك تسأم أو تمل ، وهو يكرر ويكرر إلى غير ما نهاية ، أوصاف طرة الحبيب التي هي تارة شباك لصيد المحبين ، أو سلسلة يأوى إليها العشاق راضين . وتارة نافجة مسك يفوح منها الطيب ، ، أو صولجان من العنبر يسحبه الحبيب على جبينه المشرق في وجهه الجميل ... ثم أوصاف غمازته التي هي بئر ، ا ، وعينه التي هي نرجسة ، وحاجبه الذي هو قوس أو ركن تتعلق به عيون العباد ، وقامته التي هي شجرة سرو أو شمشاد ... إلى آخر هذا الحشد المكرور من التشبيهات (1) أرجح كثيرا أن يكون حافظ شديد التأثر بهؤلاء البديعيين وبخاصة إذا ذكرنا أنه عاش في القرن الثامن .