صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/78

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ٧٤ - اللحظات ينطلق فيها التعبير كأنما يكون نفسه – وإن كان الوعى يعمل فيه – وهي لحظات يعرف مثلها كل شاعر ملهم في حياته الطويلة . وما عداها والحالات فغير جدير بالشعر في اعتقادي ، أو أنه من الدرجة الثانية أو الثالثة في حياة الشاعر الفنية ؟ - وأحسب أنه قد آن الأوان لتنحسر الموجة الفكرية الفلسفية ، تاركة للشعر غنائيته وبساطته ورفرفته ، كيا يتأدى إلى الحس بأشواقه وأحلامه ، وبصوره وظلاله ، مثلما تتأدى الموسيقى الطليقة ، والصور الفنية الموحية ، وذلك على قدر ما تسمح طبيعة الشعر ، وطريقة تناوله لموضوعه ، وفيها اختلاف لا بد منه عن طريقة الموسيقى وطريقة التصوير في الأداء و ( أغاني شيراز ) تأتي في حينها المناسب لتساعد على انحسار الموجة الفكرية عن الشعر الحديث . وقد لا تلبي هذه الأغاني كل مطالب الشعر في هذه الفترة ، لأن الحس يغلب عليها والأشواق الروحية الخالصة تقل فيها – على الرغم من طابعها الصوفى – ولكنها على كل حال تزيد من رصيد الغناء في الشعر العربي زيادة لها قيمتها . وحسبها أنها تجعل الشعر غناء خالصا لا تبهظه أثقال الفلسفة إلا حيث تعرض في سرعة وتختفى سريعا ، ولا تبرده ثلوج الفكر – وإن كان فيها على ما سيجيء - لعب بالألفاظ والصور والمعاني ، ولكنه لعب لطيف حلو لا يغض من حلاوة الغناء الطليق . ثم إن لها عندى مزية أخرى : ، . فقاريء هذه الأغانى يستروح فيها عطر الشرق البعيد ، وبساطته ومرحه ، وغيبيته وتصوفه ، ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى استرواح هذا كله ، حين تغمرنا موجة العقلية الغربية ، وهي موجة قوية طاغية ، لا يجد لها في حاضرنا الروحي كفاء