صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/56

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۵۲ – المبـاورة – كما يعتقد الكثيرون – ولكنه الإنسان الذي يتعمق حسه أدق المشاعر وأجلها ، والذي يدرك نبضات الحياة وانفعالاتها ، والذي يتخذ من ذلك كله غذاء لحسه وفكره جميعا والشعر هو نبضة قلب قبل أن يكون لمعة فكر ، وهو خفقة حياة ، قبل أن يكون فكرة ذهن ، وهو حالة نفسية قبل أن يكون قضية فكرية ، وهو ظلال إنسان قبل أن يكون التماع أفكار ، ووسوسة أفئدة ، قبل أن يكون رئين ألفاظ . فإذا نحن نظرنا إلى الشعر العربي بهذه العين في مجال الشعر ، وجدناه فقيرا في الظلال الإنسانية ، والحالات النفسية ، بمقدار ما هو غنى بالأفكار والمعـاني والاستجابات الحسية المباشرة ، التي لا تتعمق النفس الإنسانية إلى مدى بعيد . والتعبير العربي وبخاصة في الشعر تعبير مباشر أقرب ما يكون إلى الإستجابة الحسية ، فهو يؤدى الفكرة أو المعنى، ثم لا تلمح وراءه مخلوقا إنسانيا إلا نادرا . إنك تلمح ولاشك فكر او حسا ، ولكن « المخلوق الإنساني» الذي يشتمل الفكر والحس ، ويشتمل بجوارهما حياة آدمية كاملة ، قلما تلمحه وراء التعبير . ولقد خيل إلى مرة أن هذه اللغة نبتت في الظهيرة على صحراء مكشوفة. فهي في شعرها لا تلقى حولها ظلا. ليس هناك ما يسمونه « بين السطور» كل لفظ وكل تعبير يقابله معنى أو فكرة ، ثم لا شيء وراء المعنى ووراء الفكرة لاظل . لاصورة . ا لا رؤى سحرية تثير في النفس شتى التخيلات وشتى الاهتزازات ا وبمقدار الغني في الأفكار والمعاني الذي تضمنه الشعر العربي ، كان الفقر في - الرؤى والأحلام ، وفى الصور والظلال ، وفي الحالات النفسية ، والملامح الإنسانية ، وهذا هو مفرق الطرق بين الشعر العربي وكثير من الشعر العالمي في طريقة التصوير والتعبير حتى شعر الغزل عند العذريين ، قلما تجد فيه وراء اللفظ إلا المعنى ، ووراء