صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/52

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- 48 - استحضاره له . وحقيقة أن للوعي في الحالة الأخيرة نصيبا أوفى . ولكن الوعى قد يقف عمله نهائياً عند استحضار الجو وتخيل المؤثر . لأن نفس الشاعر سريعة التأثر والتخيل ، حتى لتنقلب المؤثرات الصناعية فيها إلى مؤثرات حقيقية في كثير من الا من الأحيان ، وبذلك يتحقق الصدق الفني ، ولولم يتحقق الصدق الواقعي. ا وهذا يفسر لنا عمل الشاعر في الملحمة والمسرحية والقصة فهو استحضار للمؤثر ، وتخيل للجو ، ينقلبان – في حسه - إلى مؤثر حقيقي لا إرادة له في دفعه ! وهذه الظلال المصاحبة للألفاظ والتعبيرات كامنة فيما وراء الوعى للابسات خاصة بالشاعر ، أوخاصة بهذه الألفاظ والعبارات ذاتها . فللألفاظ أرواح ، ولكل لفظة تاريخ ، وليست الألفاظ إلا رموزاً لملابسات شتى متشابكة فيها وراء الوعى . وقد يختلف هذا بين شاعر وآخر ، ولكن تبقى اللفظة رمزاً على الظلال والمعاني التي حملتها في تاريخها الطويل . والشاعر الملهم الألفاظ ورموزها العميقة ، ويستدعيها في اللحظة المناسبة . وإن يكن هذا العمل يتم غالباً هو الذي يستوحى في غيبة عن الوعى عند الشعراء الملهمين وهذه الحقيقة تجعلنا نعيد تقديرنا على أساس جديد لقيمة الألفاظ والعبارات ، فيرد إليها اعتبارها الذي أهدرته المدرسة العقلية والمدرسة الأسلوبية على السواء ، فالأولى كان رائدها دقة الأداء المعنوي دون نظر إلى الظلال التي تلقيها الألفاظ بجرسها أو بتاريخها في عالم اللغة وعالم الإحساس ، مما يفسد الجو الشعوري الذي تعيش فيه القصيدة في بعض الأحيان ، ويحدث نوعا من « النشاز » الموسيقى أو التصويري في السياق . والمدرسة الثانية كان همها عذوبة اللفظ وجزالة العبارة ، بدون نظر إلى هذه الملابسات التي تختلف في قصيدة عن قصيدة ، وفي حالة شعورية عن حالة وهكذا ... .