صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/51

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٤٧ –

– وهو البحر – وجانبه الباطني من جرس الألفاظ ، ومن الإيقاع الناشيء من تواليها على نحو معين ، يستقى في حالات كثيرة من وراء الوعى ، فكثيرا ما يجد الشاعر نفسه ينظم من بحر معين ، وينسق ألفاظه في تعبير معين ، دون وعی كامل ، لأن هذا كله يتسق مع الحالة الشعورية للقصيدة .

وهذا يجعلنا نعيد تقديرنا على أساس جديد لقيمة الإيقاع الموسيقى في الشعر . بوصفه جزءاً من العمل الفني يصور أجمل جانب فيه وأصدقه ، وهو تصوير الجو الشعوري الذي عاش فيه الشاعر حين كان ينظم قصيدته ، ونقل القاري أو المستمع إلى هذا الجو بعد انقضائه بعشرات السنين أو بآلافها !

ولا شك أن هذه النظرة إلى الإيقاع الموسيقى تختلف عن نظرة المدرسة المقلية في الشعر العربي ، كما تختلف عن نظرة المدرسة الأسلوبية على السواء.

فالمدرسة العقلية أصغرت من قيمة الإيقاع الموسيقى جملة ، في سبيل تحقيق المعاني ودقة الأداء . والمدرسة الأسلوبية عنيت بحلاوة الإيقاع وسهولته أو فحولته ، دون أن تلقى بالها إلى التناسق بين لون الإيقاع والجو الشعوري العام للقصيدة . وهو الجو الذي نحدس أنه كان يحيط بنفس الشاعر وهو ينظمها ، والذي صاحب الانفعالات التي دفعته إلى النظم للتعبير عنها.

ثم إن لمـا وراء الوعى دخلا كذلك في اختيار الألفاظ ، فكثيراً ما يجد الشاعر الملهم كلمات وعبارات تقفر إلى منطقة الوعي في نفسه من حيث لا يدرى وقد لا يكون واعياً لمعانيها بدقة وهو ينظمها ، وقد يعجب بعد انتهائه من النظم ، وعودته إلى الحالة الشعورية العادية كيف انثالت هذه الألفاظ والعبارات عليه انثيالا – كما يقول الجاحظ بحق – ثم قد يدرك فيها بعد ، أو لا يدرك ، أن لهذه الألفاظ أو لهذه العبارات ظلالا في نفسه ، تنسق مع الجو الشعوري الذي نظم فيه قصيدته ، سواء كان هذا الجو من صنع مؤثر خارج عن إرادته ، ، أو يسبب