صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/41

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

للسؤال والتفتيش بالحكمة عن كل ما عمل تحت السموات . هو عناء رديء جعله الله لبني البشر ليعنوا فيه « رأيت كل الأعمال التي عملت تحت الشمس ، فإذا الكل باطل وقبض الربح , الأعوج لا يمكن أن يقوم ، والنقص لا يمكن أن يجبر . أنا ناجيت قلبى قائلا : هأنا قد عظمت وازددت حكمة أكثر من كل من كان قبلى على أورشليم وقد رأى قلبى كثيراً الحكمة والمعرفة ، ووجهت قلى لمعرفة الحكمة ولمعرفة الحماقة والجهل . فعرفت أن هذا أيضا قبض الريح . لأن في كثرة الحكمة كثرة الغم ، والذي يزيد علما ، يزيد حزنا » هذا كلام قديم ، وترجمته ترجمة رديئة من حيث الأسلوب العربي ، ولكن هذا لم يفقده كل طابعه الفني العالى - ۳۷ ا هنا إنسان يغمره السأم والملال ، ويطويه اليأس والقنوط . ولكنه لا يقول : إنه ملول سأمان ، ولا إنه بائس قانع ، إنما برسم لك صورة الحياة والأشياء في نفسه ، ويدعك ترى نفسه في هذه الصور والأشياء : الكل باطل . وحركة الحياة مكرورة معادة ، لا شيء جديد تتفتح له النفس ويتطلع له القلب . الأرض قائمة إلى الأبد ، والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تشرق . والريح كذلك . تذهب دائرة وإلى مداراتها والأنهار تجرى إلى البحر ، والبحر ليس بملآن ... فالطبيعة هنا – من خلال هذه النفس - يغشيها السأم والملال والتكرار العقيم ثم ماذا ؟ ثم هذا هو الإنسان . تقصر كلماته عن التعبير عما في نفسه ، والعين لا تشبع من النظر ، والأذن لا تمتلىء من السمع ، فهو عبث كله ما يحاول من الكلام والنظر والسمع ، وسائر ما تهم به الجوارح والوجدانات . على أنه ليس هناك - .