صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/36

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۳۲ – و يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه . ضعف الطالب والمطلوب ! ) فيحيا هذا المعنى الساكن ، ويتحرك في تلك الصور المتحركة المتعاقبة . أرأيت إلى تصوير الضعف المزري ؟ وإلى التدرج في تصويره بما يثير في النفس السخرية اللاذعة والاحتقار المهين ؟ « لن يخلقوا ذبايا ، وهذه درجة « ولو اجتمعوا له » وهذه أخرى « وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه » وهذه أنكي . ولكن . أهذه مبالغة ؟ وهل البلاغة فيها هي الغلو ؟ كلا ! فهذه حقيقة واقعة بسيطة . فهؤلاء الآلهة « لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له » والذباب صغير حقير ، ولكن الإعجاز في خلقه الإعجاز في خلق الجمل والفيل ، لأنها معجزة خلق الحياة ، يستوى فيها الجسيم والضئيل ، وليست خلق الهائل من الأحياء ، وإنما هي خلق الخلية . هو المعجزة في صميمها هي الحية المفردة ولكن الإبداع هنا هو في عرض هذه الحقيقة بصورة ترسم العجز عن بلوغ مسألة هيئة في ظاهرها ، والجمال هنا هو في تلك الظلال التي تلقيها خطوات الصورة من خلال التعبير . والتعبير الذهني المجرد عن هول يوم القيامة يمكن أن يكون نصوصاً كثيرة ، كأن يقال : إنه لهول مفزع مروع مذهل ... فلا ترسم في النفس صورته كما يرسمها التعبير القرآني المصور : ( إن زلزلة الساعة شيء عظيم . يوم ترونها تذهل كل مريضعة عما أرضعت ، وتضع كل ذات حمل حملها ؛ و ترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد ) وليس النسق القرآني وحده في النظم هو الذي يرتفع بهذا التعبير إلى 6