صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/35

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

فلعلنا أن نكون اليوم أحق بهذا التطلع من جميع من مضوا من شعراء العربية خلال أربعة عشر قرناً إن تفرد القرآن بطريقته التصويرية في هذا المستوى بين الشعر الجاهلي قبله والشعر العربي بعده يمكن أن يتخذ دليلا فنيا على تفرد مصدر هذا القرآن ، لولا أننا هنا في مقام البحث الفني ، لا البحث الديني . والآن نعود إلى نماذج القرآن التصويرية في التعبير ، لبيان فضل هذه الطريقة من الناحية الفنية - ۳۱ – . 1 النفور الشديد من الدعوة إلى الهدى ، يمكن أن يؤدى في صورته التجريدية الذهنية على نحو كهذا : إنهم لينفرون أشد النفرة من الدعوة إلى الإيمان . فيتملى الذهن وحده معنى النفور في رود وسكون . ولكن التعبير القرآني يؤديه في هذه الصورة الحية المتحركة : ( نا لهم عن التذكرة معرضين . كأنهم خر مستنفرة فرت من قسورة ) فتشترك مع الذهن حاسة النظر وملكة الخيال ، ويثور في النفس شعور السخرية وشعور الجمال : السخرية من هؤلاء القوم النافرين كالحمر الوحشية المذعورة من الأسد ، والجمال في حركة الصورة السريعة الطليقة فللتعبير هنا ظلال حوله تزيد في مساحته النفسية ، إذا صح هذا التعبير ! ومعنى عجز الآلهة التي كان العرب يعبدونها من دون الله ، يمكن أن يؤدي في عدة تعبيرات ذهنية مجردة ، كأن يقال : إن ما تعبدون من دون الله لأعجز عن خلق أحقر الأشياء . فيصل المعنى إلى الذهن مجرداً باهتا . والسكن التعبير القرآني يؤديه في هذه الصورة : ( إن الذين تعبدون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له ؛ وإن