صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/348

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ٣٤٤ - ا سيرته بعده لا تتفق مع إفساد والبة له ، فأما وهذه الحادثة تتسق مع سيرته فلا ضرورة للجهد في نفيها ما لم يتحتم ذلك ببراهين قاطعة وهى ليست هناك وصدقي يجعل لحادث جنان شأنا في حياة أبي نواس و نفسه وتصريف خطاه في الحياة ، حتى ليجعله نصف الأسباب التي أخرجته من البصرة إلى بغداد ودفعته إلى الإغراق في المجون ليتسلى وينسى . وعبد الحليم يلم به إلمامة سريعة ، ويجعل هجرته من البصرة بسبب لمز أهلها له في نسبه . ونحن نميل إلى جانب صدقى هنا كذلك ، استناداً إلى كثرة ما قال أبو نواس في جنان ، وإلى حرارة ما قال ، حتى ليبدو أن هذا القسم من شعره ، هو أحر ما في ديوانه وصدقي يثبت شعوبية أبي نواس وتعاجمه ، ويسند هذا إلى انتشار الشعوبية إذ ذاك ، وبروز العصبية الفارسية الكظيمة ، وعبد الحليم ينقى هذا كله عن أبي نواس ويعلل هذا التعاجم بمزاجه الذي يحب اللذة والمتعة،فيجدهمافي الحضارة الفارسية وآثارها ، ويكره الشظف والتمسك حيث يجدهما في البيئة العربية وتقاليدها ونحن نضم هذه إلى تلك في تعليل زراية أبي نواس على العرب البادية ، وهيامه بالفرس والفارسية . فعصبية أبي نواس وشعوبيته لا تبلغ أن تكون فكرة عامدة واتجاها جادا ، ومثله لا ينتظر منه الجد في شيء ، ولكنها كذلك لا تنفى في ظروف كالتي عاش فيها ، مع نسب كنسبه يمت إلى الفرس من ناحية أمه ، ونفيها نفيا باتا ، كما صنع الأستاذ عبد الحليم فيه كثير من التكلف ، الذي لا ضرورة له . . وكذلك يبرىء عبد الحليم أبا نواس من تهمة الحج لمقابلة جنان ، ويثبتها صدقى . ولست أفهم السر في تلك التبرئة ، وأنا مع صدق في تصديقها ، فليس فيها ما يستغرب من ماجن كأبي نواس من جهة ، مع جنونه بجنان من جهة أخرى . ويحاول عبد الحليم أن يثبت لأبي نواس أسرة وزوجة وولدا ، ويسوق أدلة لا مانع من قبولها ، وإن كانت لا تبلغ بنا درجة اليقين . ولكنها ليست متهافته ولا ضعيفة . وكل ما نلاحظه أنه استأنس بجوار هذه الأدلة بكنية أبي نواس 6