صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/346

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ٣٤٢ - ه وتحدث في الفصل الثالث عن شعره ، ولا بد لنا هنا أن ننوه بهذا . فقد لاحظنا أن دراسات كثيرة لشعراء شرقيين وغربيين قد ظهرت ، فلم يخصص منها فصل واحد لبيان قيمتهم الفنية وطبيعتهم الشعرية ، وهذا الفصل ضروری في دراسة كل شاعر ، وهو الفارق بين دراسة الشعراء ودراسة رجال الحرب والسياسة والمال والإصلاح . فكل دراسة لحياة شاعر إنما هي تمهيد لدراسة شعره ، فيجب أن تتوج بهذه الدراسة مهما ضاق المجال ، وأيا كانت طبيعة هذه الدراسة . وترك هذا الفصل هو ما أخذناه على دراسة بودلير لصدقي ، والذي نأخذه اليوم على أبي نواس في الدراستين وفي هذا الفصل يقول الأستاذ المازني : « وإذا كان لم يجيء في الهجاء بشيء من البراعات ، فلا عجب . فما كان الهجاء عنده إلا زجراً وتخويفا وإنذاراً يصد به من يهمون أو يتحفزون للوثوب عليه ، وينهر به من يخوضون فيه » . وهذا صحيح . ولكنه ليس كل السبب في عدم براعة بشار ... فالذي يصدق على بشار من ناحية اتخاذه الهجاء للزجر والتخويف يصدق على ابن الرومي مثلا ، ولكن ابن الرومي كان فنانا ، وكانت له ملكة مبدعة في التصوير والتشخيص 4 فاستحال هجاؤه ، على ما به من إقذاع ، عملا فنيا موسوماً بالعبقرية . أما بشار فلم تكن له هذه الموهبة ، لأنه ، كما يقول الأستاذ المازني « ذو طبيعة حيوانية ، ولهذا لم يرتق في شعره قط إلى عليـا مراتب الفن » وذلك هو التعليل الأصح فيها نعتقد ی والفصل الأخير كان « خاتمة » وقد رسم فيه صورة سريعة لعصر بشار ، وما يضطرب فيه من فتن شتى سياسية ودينية وفكرية ، كما رسم صورة سريعة لظروف بشار الشخصية وتفاعلها مع هذه البيئة . وفي اعتقادنا أن هذا الفصل القصير هو أبرع فصول الكتاب ، وأوفاها في هذه التفاعلات تصویر وأخيراً ، لقد أدار الأستاذ المازني الحديث في حياة بشار على فقد بصره ، وعلى ظروف عصره ، واتكأ على النقطة الأولى اتكاء شديداً من أول الكتاب .