صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/345

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ٣٤١ - إلا أن الذي لا أشك فيه أن الطريقة الأولى آمن وأيسر ، والطريقة الثانية أخون وأعسر ، والزلة هناك قد تستر ، ولكنها هنا لا تستر !

حدثنا الأستاذ المازني « نشأة بشار » في نحو خمسين صفحة ، عرفنا عن فيها أن بشاراً فارسي الأصل عربى الولاء ، وقد كان يستثقل فجر العرب بأصلهم فيحض على خلع الولاء لهم والانتساب إلى « ذي الجلال » ، ويفخر بالفرس عامة عليهم ، وأنه عاصر الدولة الأموية في أخريات أيامها ، والدولة العباسية في أولياتها وهجا هذه وتلك أشنع الهجاء ، كما هجا الناس جميعاً ! وأن هذا الهجاء لم يكن عن عداوة كامنة ولا إحنة على العالم ، ولكنه كان سلاحاً لدفع الأذى وجلب الغنى فهـو طالب لذة ومال . وقد كان مع إقذاع هجائه يخشى الهجاء من غيره ، كما يخشى كل ذي سطوة . ولقد اتهم بالزندقة بسبب طول لسانه لا يسبب فعله ، فالكثيرون كانوا يصنعون ما صنع فلم يلاقوا المصير الذي لاقى ، لأن هجاءه المقذع ، وبخاصة للخليفة المهدي ووزيره يعقوب بن داود ، وغزله الفاحش المؤذى ها عرضاه للسخط والجلد الذي أودى به في النهاية . ولما كان بشار أعمى فقد تركت هذه الآفة في نفسه مرارة وضيقاً ، وقد كان شديد الحساسية الجهة ، فجعل يحاول تقوية ضعفه هذه الناحية بالتخويف والهجاء ؛ وكان في طبعه عرامة وفى جسمه ضلاعة . ومن الالتفاتات الجيدة هنا أن بشاراً يطلب من مصور أن يرسم له على الجام طيراً جارحاً يروع طيوراً صغيرة ، وقد أبرزها المؤلف إبرازاً له قيمته في الدلالة على طبيعة الشاعر المؤذية ! هذه ا ثم حدثنا عن بشار والمرأة في نحو الأربعين صفحة . فقال : إن فقد حاسة البصر حرم بشاراً الشعور بالجمال الروحي ، وأحال المرأة عنده « أنثى تجيب مطالب الحس الغليظ ، ولا ترتفع إلى مرتبة المرأة التي تغذي الإحساس الرفيع » !