صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/314

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۳۱۰ - ويشعر القاري – مع سهولة الأداء ودقته ووضوحه – بأن هناك جهداً ضخها قد بذل في التحضير، وإخلاصاً للبحث قد توافر في المراجعة ، وتثبتا وتدقيقاً أمام الجزئيات التي يعرض لها ... وهذه الخصائص هي أقوى ما تطلبه من کاتب يقدم لك قطافه من شتى حدائق الفكر في الشرق والغرب في حيز صغير محدود . كذلك يشعر القارى" في نهاية قراءته للكتاب أنه خير منه وأوسع نظرة إلى الأدب والأشخاص والحياة قبل أن يقرأه – وهذه ميزة ليست بالقليلة ، وليست كذلك بالشائعة في الكثير مما تخرجه المطبعة العربية من سيل الكتب في السنوات الأخيرة – بل لا أبالغ إذا قلت : إنها لا تتوافر إلا لعدد محدود من الكتب الكثيرة التي تصدر في كل عام . م الدقة ومع أن طبيعة الموضوعات التي تناولها الأستاذ على أدهم تجعل مجال الخلق الفنى فيهـا محدوداً ، إلا أنها استعاضت هذه السمة سمات أخرى والعمق والوضوح تجعلها في النهاية عملا فنيا في هذا الحيز المعلوم ، وبخاصة ذلك الفصل القيم الذي كتبه عن أبي العلاء ، فهو من أفضل ما قرأت عن المعري في القديم والحديث . وقد جاء في مقدمة المؤلف قوله : « عمل المفكرين والفلاسفة هو إعداد الجو الذي يموج بمختلف الآراء والمذاهب والنظريات. ومن طبيعة القوة الخالقة أنها لا تكشف الأفكار، ولاتبتكر النظريات ، ولا توجد المذاهب الفكرية ؛ لأنها موكلة بالبناء والتركيب والإنشاء ، وليس من أربها الكشف والتحليل والتوضيح والتفسير ؛ فهي تتناول الأفكار والمذاهب والنظريات ، وتنفخ فيها روح الحياة ، وتضفى عليها الحلل السابغة والألوان الزاهية . ولكى يزدهر الأدب ويسمو الفن ، لابد من وجود الجو المليء بالأفكار ، الحافل بالمذاهب والنظريات ، ومن ثم كانت أزمة الخلق الأدبي العظيم في تواريخ الآداب قليلة نادرة ؛ وبلوغ هذه الذروة في الأدب هذا