صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/290

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۲۸۶ - الباقة في العرض وبراعة في الأداء ، وجهد في الاختيار

أما أنطون الجميل الأديب الناقد فتجده في مقدمة ديوان « طانيوس عبده » سنة ١٩٢٥ حيث يلخص الخصائص ، ويبرز السمات الشخصية في أسلوب مصور تشع منه شاعرية في الإحساس وفي التعبير على السواء . ذلك حين يقول : « ما جلست يوما إلى طانيوس عبده إلا نظرت طويلا إلى ابتسامته وهى أشبه شيء أحيانا بالكشرة ، تشترك فيها شفتاه وعيناه ، فترتسم في حديثه وعند سکوته ، ارتساماً غريباً حاولت كثيراً إدراك معناه : أهي ابتسامة رضى واهتمام ، أم ابتسامة تزهد وازدراء ؟ أهي آية ارتياح وطمأنينة ، أم أثر ألم هاج نفساً مكلومة حزينة ؟ إنها لابتسامة غريبة مهمة ، كأنها نشأت في حنايا ضلوعه ، فلا ترى مصدرها ، ثم ظهرت ند فجوة فيه ، فاستقرت لحظة على زاوية شفتيه ، ی ثم ذهبت صعوداً إلى عينه ، فغارت منها في دماغه . وما كان أنفه الأقنى ، وقد اعترضها في الطريق التي ارتسمتها ، إلا ليزيدها إبهاماً ولبسا . فتبقى عندها بين الشك واليقين : أهي أثر دمعة جمدت في عينيه ؟ أم بداية ضحكة ستنطلق من بين شفتيه ؟ أهي الغلس الذي يعقبه إشراق النهار؟ أم الشفق الذي ينذر بزوال الأنوار ؟ ه إنى لألمح جميع معانى شعره بين تجهم وجهه ، وانبلاج تغره ! « قرأت ديوانه هـذا فرأيت تلك الابتسامة المبهمة مرسومة في قصائده وأبياته : تطل عليك من قوافيه ، تارة ساخرة منك ، وطوراً مشفقة عليك ، وحينا مرتاحة إليك ، فلا تدرى أتشاركه فيها ، أم تغت وتعض على ابتسامتك بالنواجذ وتداريها . « وكأن الشاعر قد تعمد حجب قلبه عن عين الرقيب . ليتركك بين الشك واليقين » و بعد أن يعرض مقتطفات شتى للشاعر يعلق عليها تعقيبا تحليلياً حاسماً فيقول: