صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/29

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

1801 النهائي إلقاء ، وأن يطالع القارىء بنتيجة التجربة النفسية لا بطريقتها . فطريقة سيره في موضوعه لا تدع للقارىء فرصة المشاركة الجزئية البسيطة التي تشغل الحس وتستثير الخيال ، وتستجيش الانفعالات كاملة كما صرت بالمؤلف نفسه ، ولا تترك لهذا القارىء إلا الانفعال الأخير الذي انتهت إليه تجربة المؤلف ، والمعنى الذهني العام المستفاد من هذه التجربة على العموم ، وحتى في المرات التي سار فيها سيرة القصة في عرض الموضوع كانت عنايته بتسجيل الحادثة أشد من عنايته بتسجيل الانفعال المصاحب لها ، والصور التي ارتسمت فيها ، والتصورات والتخيلات التي واكبتها . وأقرب مثل يحضرني على هذا ، هو قصيدة عمر بن أبي ربيعة الطويلة الجيدة بالقياس إلى نظائرها في الشعر العربي – وهي القصيدة الرائية التي مطلعها : أمن آل نعم أنت عاد فيكر غـداة غد أم رائح فمهجـر فلقد قص فيها زيارته لحبيبته خلسة في فحمة الليل ، ومفاجأتها بهذه الزيارة والرقباء كثيرون وأهلها به يتربصون ، ثم وصف الليلة وحوادثها ، ومفاجأة النور لها ، وخوفها من افتضاح أمرها ، واستعانتها بأختيها ، والاحتيال له بالخروج معهما بلبس ملابس النساء ... الخ . وطرافة التصوير في هذه القصيدة لا شك فيها ، إلا أنها في عمومها قصة حادثة لا قصة نفس ، وتاريخ واقعة خارجية لا تاريخ تجربة شعورية ، ومثلها في طريقتها كثير نوعا في الشعر العربي . أما قصص الأحاسيس والشعورات والتجارب النفسية فقليل قلة ظاهرة . ويحسن أن أضرب هنا مثالا : يقول الشاعر الانجليزي « هوسمان » تحت عنوان « إلى السوق أول مرة » : « يوم أنشأت أذهب إلى السوق ، أوائل عهدي بالأسواق