صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/284

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ۲۸۰ سمة رجل البلاط الذي عليه أن يستقبل صاحب السلطة أيا كان ، بالانحناءة المحفوظة والابتسامة المعروفة . وهكذا كان يرحمه الله

وكذلك نحب أن نقف عند قول الجميل باشا : « وصفوة القول : إن شعره مرآة للرأى العام ، وتبع لتقلبات الحوادث يسجلها فيه ، ويرويها في تلك القصائد التي يتغنى بها أبناء العربية في كل قطر ، فتتجلى فيها نزعات الرأي العام أكثر مما تتجلى فيها مبادىء الشاعر السياسية » . فهذا صحيح . ولكنه يحتاج إلى التوضيح . إن الشاعر يكون مرآة للرأى العام . ولكن موقفه من انعكاس صورة الرأي العام في نفسه يختلف فشاعر كحافظ ند شوق وزميله . كان شعره مرآة للرأي العام . وكان هذا يتهيأ له لأنه هو نه هو واحد من هذه الجماهير ، لا يرتفع في إحساسه عنها . ولكنه ينفعل كما تنفعل ، ويستجيب للحوادث من داخل نفسه ، كما يستجيب أي فرد الشعب . فهو متصل بالشعب من الداخل ، وهو يحس في صميم نفسه ما يحسه الشعب كله . فإذا تحدث كان حديثه صدى الحرارة الكمينة الدفينة التي يشارك فيها كل فرد في شعوره . أما شوقي فلم يكن حسه كحس الجمهور ، ولم يكن التعاطف بينه وبين أفراد الشعب ينبع من داخل نفسه ، ولم يكن ينفعل بالحوادث في نفس اللحظة التي تنفعل فيها نفس كل فرد . إنما كان ينظر مهب الريح ، ويتأمل انفعالات الجمهور ، ويرقب مشاعر الشعب ... يفعل ذلك كله من الخارج ، ثم يعبر في اتجاه الجماهير فإذا سمعت الجماهير صوته وهي منفعلة بالحادث ومناسبته الحاضرة لم تفرق بين الحرارة النابعة من ضميرها ، والحرارة التي يبتها شعر شوقى فيها . فتهتف لشوق ، وهي في الواقع إنما تهتف لصورتها هي في مرآة شعره .