صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/258

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ٢٥٤ - أن يحسب حساب الزمن المتطاول بين عهد عمر وعهدنا ؛ وحساب العوامل الكثيرة المتشابكة في الموقف ؛ هذه العوامل التي قد يكون معظمها قد ضاعت معالمه ، والباقى بين يدينا منها قليل ، والشخصية التي يصدر عليها مثل هذا . الحكم السريع شخصية جليلة ضخمة ، فذة في تاريخ الإسلام كله ، فلا أقل من مثل هذا الاحتياط على أننى لست من أنصار القداسة المطلقة للشخصيات الإسلامية ، ولست أعنى مما تقدم أن أحرم المعاصرين حق الحكم على هذه الشخصيات . ولكنى أريد أن تتوافر أسباب الحكم كاملة . ولقد كان هذا الجزم الحاسم يقتضى من المؤلف بسط الكثير من ظروف الموقف ، وتجليتها في سعة من المجال ليجي الحكم مستوفيا أسبابه ، وليقنع الناس بأحقيته على أنه لم يرد حتى أن يلتفت إلى الأسباب التي أثبتها في روايته . ولو التفت إليها لحماه ذلك من الجزم القاطع في قوله : « فالشورى غلطة نفسية رحم الله من غلطها » ! وفى قوله كذلك : « لو حزم عمر » ! )) ، وحيرة عمر - كما يسميها - كانت لها أسبابها الوجيهة كما يقرر : « فهو لم يشأ أن يحمل المسلمين حيا وميتا » ، وهذا عنصر نفسي في نفس عمر له تقديره « ثم رأى أنه إذا استخلف فقد استخلف من هو خير منه ، يعنى أبا بكر ، وإذا ترك الأمر فقد تركه من هو خير منه يعني النبي » . ووجود هاتين السابقتين القريبتين كفيل بأن يجعل الجزم القاطع لا محل له . وقد اختار عمر طريقة تجمع بين الطريقتين ، لأن ظرفه وموقفه لم يكن كواحد من الاثنين قبله ، فمحمد صلى الله عليه وسلم لم يوص لأحد لئلا تصبح هذه سنة ، ولعوامل أخرى كثيرة وكان واضحا أن أبا بكر هو أول مؤمن به من الرجال ، وهو صاحبه في النار ، وهو « الصديق» فقدمه في اللحظة الأخيرة إلى الصلاة . وقدم اتجهت الأنظار إليه يو