صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/257

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

٢٥٣

ی « لاشك في أن انتخاب الرعية لراعيها أو الأمة لرجال الحكم فيها على تعبير هذا العصر إنما هو أرفع ما وصل إليه عقل البشر من أشكال الحكم الديمقراطي ، ولكن هذا النوع من الحكم لم يتكامل بعد في أيامنا هذه ، فجدير به أن يكون في أيام عمر أقل تكاملا ، ففكرة عمر في أن يجعل أمر المسلمين شوري بين ستة يتزاحمون على الخلافة غلطة نفسية ، وقد أدرك معاوية هذه الغلطة ، ومثله لا يكاد يفوته شيء من أسرار السياسة النفسية ، فقد ذكروا أن زياداً أوفد ابن حصين إلى معاوية ، فأقام عنده ما أقام ؛ ثم إن معاوية بعث إليه ليلا فخلا به ، فقال له : يا ابن حصين ! قد بلغني أن عندك ذهنا وعقلا ، فأخبرني عن شيء أسألك عنه ، قال : سلنى عما بدا لك . قال : أخبرني ما الذي شتت أمر المسلمين وملا هم وخالف بينهم ، ، قال : نعم ، قتل الناس عثمان ، قال : ما صنعت شيئا . قال : فمسير على إليك وقتاله إياك ، قال : ما صنعت شيئاً ، قال : فمسير طلحة والزبير وعائشة وقتال على إياهم . قال : ماصنعت شيئاً ، قال : ما عندي غير هذا يا أمير المؤمنين . قال : فأنا أخبرك ، إنه لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم إلا الشورى التي جعلها عمر إلى ستة نفر ، وذلك أن الله محمداً بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، فعمل بمـا أمر الله به ، ثم قبضه الله إليه وقدم أبا بكر للصلاة ، فرضوه لأمر دنياهم إذ رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر دينهم ، فعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه و- الله ، واستخلف عمر ، فعمل بمثل سيرته ، ثم جعلها شورى بين ستة نفر ، فلم يكن رجل منهم إلا رجاها لنفسه ، ورجاها له قومه ، وتطلعت إلى ذلك نفسه ، ولو أن عمر استخلف عليهم كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك اختلاف الرأي المختمر ، فالشورى غلطة نفسية رحم الله من غلطها » بمثل هذا الجزم الحاسم يصف موقف عمر . وأيسر الإنصاف كان يقتضى ، وسلم ، ، وسار بسيرته حتى قبضه « هذا هو 1550 19-3102 1