صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/239

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

... تستطيع أن تهب الإنسانية المعذبة العطف والحب والسلام ، بعد أن عجزت الحضارة المادية عن هذه الهبة ذلك العجز الفاضح الذي لا بد أن نحسب حسابه ونحن تحصى مباهج هذه الحضارة . فقيمة الفتوح العامية إنما تقاس قياسها الحقيقي بمدى ما توفره للبشرية من السعادة ، فهي وسائل لا غايات ، والبشرية تنأى عن السعادة كل يوم وتشقى . إن هتافاً روحياً لا يشيد ببدائع التصوير وروائع الشعر وألحان الموسيقى وسائر الأشواق والخطوات - في أول ما يشيد - لهوهتاف خافت ، كالطائر المقصوص الجناح ، لا يحلق في الآفاق ، ولا يملا شعاب النفس ، ولايهز مشاعر الإنسانية . وأين يا ترى تلقى البشرية بروائع الفنون كلها ، وبتأملاتها المجردة ، وسبحاتها تلك الذخيرة الضخمة التي ذخرتها الإنسانية في وطابها على مدى الأجيال؟ اتلقى ذلك كله إلى العدم ، أو تنظر إليه نظرة الساخر من طفولة مرت ولا رجمة لها بعد بلوغ الرشد . وأي رشد هذا الذي يغلق جوانب النفس إلا من حتى العقيدة ابتكار في الطبيعة يبعثه العلم ، أو اهتداء في السلوك يبعثه الدين العملية الدينية لا يراها المؤلف إلا من ناحيتها العملية : ناحية التوجيه الخلق ولا يقيم وزنا لجانبها المشرق الروحاني الخالص إلا في النادر القليل . المرفرفة ٢٣٥ - - ... . إن في كل عقيدة قسطاً أصيلا من الفن ، تملا به جوانب النفس التي لا يملؤها الاتجاه الخلقى وحده ، لأنها أكبر من كل اتجاه عملي فريد . عيب هذا الكتاب « أومن بالإنسان » إنه يكاد يغلق جوانب النفس فيها عدا ابتكار علميا واتجاها خلقياً ... ولكنه بعد هذا يؤدى دعوته على طريقته أدق أداء وأوفاه . فإذا خالفنا مؤلفه في آفاق النظر، فإننا لنوافقه في اتجاه النظر، وهو - على أي حال – ثروة فكرية وثروة أدبية في آن .