صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/226

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

بغير معرفة ، والمعرفة لا تكون بغير مشيئة ؛ بل إن المعرفة هي المشيئة ، والمشيئة هي المعرفة . أما الجهل فلا مشيئة له . - ۲۲۲ - « كيف لمن يجهل من أبن أنى أن يشاء إلى أين يمضى ؟ أم كيف لمن لا يعرف علة وجوده أن يحتم هذه الغاية أو تلك لوجوده ؟ كيف لمن لا علم له بالأسباب أن يقر النتائج ؟ لا . ليس يعرف شيئاً من ليس يعرف سوابق ذلك الشيء منذ الأزل ولواحقه إلى الأبد كان في مستطاعه أن يقول : « أنا أعرف » حق له أن يقول : « أنا أريد » . أما الإنسان الذي ما برح في عالم البدايات والنهايات والقناطير والفراسخ فقصى" عن هذه المعرفة ، ومشيئته وبال عليه كلا عاكست المشيئة الكلية ، فما له إن هو أراد التخلص من شقائه إلا أن يقول : « أنا أشاء كيت وكيت إن شاء الله كيت وكيت . ا ا « لو تعود الإنسان قول « إن شاء الله » بقلبه لا بلسانه لما عتمت المعرفة أن سكبت نورها في قلبه . وإذ ذاك لآزرت المشيئة العامة مشيئته فأسعدته ، بدلا من أن تسحقها فتشقيه . لكنه لاه عن مشيئة الحياة المبصرة ، وما في طاعتها من طمأنينة لا تدرك ، وغبطة لا توصف ، بمشيئته العمياء ، وما تبذره في كل يوم من مشاكل وهموم « أولا ترون كيف أنه يرهق جسده لتوسيع نطاق حاجاته إلى حد لا يطاق ، ويخنق روحه بتضييق نطاق حاجاتها إلى حد لا يطاق ؟ ما أبسط حاجات الجسد وأقلها لمن يعقلون . فالذي وهب الإنسان الفكر وما فيه من سحر ، والخيال وما فيه من قوة ، والشعور وما فيه من جمال ، لم يبخل عليه برغيف وقيص ومأوى» وهكذا وهكذا من مثل هذه التوجيهات في مواضع متفرقة من الكتاب وبعضها يرتفع إلى حد الإبداع ، ويكون فيه فصل الخطاب في الموضع الذي يعرض له ويستعرضه .