صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/223

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۲۱۹ - وهو بالنقيض ، ويتلاشى في فضائها الزمان والمكان . وهذا الهدف قد نفذ إليه الشرق ببصيرته البالغة منتهى النقاوة والصفاء في بصائر الأنبياء . فهو حقيقة لا مجاز ، رؤية لا رؤيا ، وهو وا واحة حية لا سراب خداع . « أما إن الشرق بمجموعه ما بلغ ذلك الهدف بعد فأمر لا نزاع فيه على الاطلاق . والقائل بعكس ذلك كالقائل بأن كل رجل في الشرق نبي وكل امرأة نبية ، أو كالقائل بأن كل رجل في الغرب عالم أو مخترع وكل امرأة عالمة أو مخترعة ، وفي ذلك ما فيه من السذاجة والبلاهة . ه « ليس يعيب منارة ألا يستنير بنورها الحارس الساكن في كنفها ، مثلما لا يعيب قمة نابتة في بقعة من الأرض ألا يتسلقها أبناء تلك الأرض . فهدف الشرق هو حقيقة وضاءة ثابتة أبدية . سواء أفي هذه الحقبة من حياته أدركه الشرق أم بعد حقب طويلة « ما هو بالشنار على الشرق ألا يدرك الهدف بوثبة أو وثبتين ، أو في خلال قرن أو قرنين . فما هو بالهدف الذي يدرك بألف وثبة وفى ألف جيل ، وإنما الشنار أن يقعد الشرق بمجموعه ، من بعد أن وثب ولم يصل . قعدة اليائس البائس . قعدة المنهوك المقهور . قعدة الخاسر الطائر . ثم أن يشيح بوجهه عن هدفه قائلاً : إنه خيال ، وإن الوصول إليه ضرب من المحال . وأن يدير وجهه شطر الغرب باحثا هناك عن هدف وعن طريق « أقول لكم : لا هدف للانسان أبدع وأقوى على الزمان من الذي نصبه الشرق ، وراح يدعو إليه الناس أجمعين ، وهو إذا ما تحجب عن العصر المقنع بألف قناع ، فلا نه ابن البصيرة النيرة الصافية ، وهو إذا ماعز مناله فلان الكمال عزيز المنال . وهو حقيقة مثلما الوجود حقيقة ، بل هو الحقيقة قبل كل حقيقة وبعد كل حقيقة .