صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/221

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۲۱۷ – تدافعها صخب الزلازل وعتو العواصف ، مع شيء من بهجة الفصول ، ورونق السماء وسحر الفوز بالغنيمة ، وجاذبية القوة الظاهرة . فلا غرو إذا ما غمرت المعمورة وبهرت الأبصار فهي بنت البصر ، وللبصر الحق في أن يعتز بها . فهو ما أنجبها إلا لينعم بمواهبها وخدماتها ی « لا غرو أن يقف العالم ، . وفي جملته هذا الشرق ، مشدوها تجاه مدنية الغرب المبصر ، وأن يهلل لها ويكبر ، وأن يغفر لها كل زلاتها ، ثم أن يعقد عليها آمالا أبعد بكثير من مدى سلطانها ، فهي – على ما فيها من مرارة – غنية بالحلاوة التي يصعب على أي إنسان تذوقها ، لأنها حلاوة يتذوقها الحس أما حلاوة المدنية القائمة على البصيرة فدون تذوقها شق النفس وقهر الجسد لذلك كانت الأولى أقرب إلى متناول الناس وأذواقهم من الثانية . ففيها كما جاء في بعض الحكايات : « ما يحلى ويسلى ويعشى الحمار » . - ا « ذلك إذا ما أخذتموها من حيث هي تريد أن تؤخذ ، أي من حيث محاسنها لا غير . أما إذا تصفحتم مساوئها فلن تجدوا مدنية قبلها بلغت ما بلغته من التكالب والتباغض والقساوة مع الكثير من التبجح بالعكس . وإما عجبتم لمشهد غريب فاعجبوا معي لهذا الشرق . وقد أهدى إلى العالم المحبة والقناعة والتضامن والتآخي يقف اليوم على مفترق طريق البصيرة والبصر ، كسير القلب ذليل الجفن ضامر الصدر والبطن ، ويمينه الفارغة ممدودة نحو الغرب ، وفى يساره قائمة بأسفاره المقدسة وأسماء أنبيائه . ثم اسمعوه يستعطى بصوت متهدج فيه الانسحاق وفيه المسكنة والاندحار . وماذا عساه يستعطى ؟ إنه ليستعطى طيارات ودبابات ومدمرات ومدافع وقنابل ، وإنى لأسمعه يقول : « من يقايضني قنبلة محرقة بآية منزلة ؟ وطيارة أو دبابة بسفر مقدس ؟ بل من يقايضى مخترعاً واحداً بعشرة أنبياء ؟