صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/219

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ٢١٥ - وألوانها ، ومن أشكالها وألوانها يحاول أن ينفذ إلى كنهها حين أن البصيرة --- ومركزها القلب أو الوجدان – همها الوصول إلى بواطن الأشياء دون التلهي بظواهرها . فالاثنان يدأبان وراء المعرفة . ولكن سبيل الواحد غير سبيل الآخر ، أما أي السبيلين أفضل وأكفل بالوصول إلى المعرفة ، فأمر لكل منكم الحق أن يبت فيه بحسب هواه » . }} = « أما أنا فقد قلت من زمان – وما أزال أقول – بأسبقية البصيرة على البصر في بلوغ الغاية المنشودة ، التي هي الفهم الأقصى المؤدى إلى الحرية القصوى» . « لن يبلغ البصر قلب الحقيقة قبل أن يبلغ حدوده ، ويدرك عجزه وقصوره ، ويلوذ بالبصيرة فينقلب بصيرة ، أما البصيرة فلا حدود لها مثلما لا حدود للحقيقة التي تتوخاها . فهي وإن توكات على البصر لا تسير على نوره . فالمحدود لا يسع - - سوى المحدود ، وما كان بغير حدود لا يسعه إلا ما كان بغير حدود . « والآن إذا قلت لكم : إن الشرق هو بصيرة العالم ، وإن الغرب هو بصره نما إخالكم تسيئون فهم ما أقول ، فتحسبون أن الشرق كله بصيرة ولا بصر ، وأن الغرب كله بصر ولا بصيرة . ذاك يعنى تجريدكم الشرق عن كل حس خارجی وتجريدكم الغرب عن كل شعور باطنى ، وهو غير الواقع وغير المعقول . وجل ما أرمى إليه هو القول بأن زبدة الشرق في بصيرته ، وزبدة الغرب في بصره ، وأن الاثنين توأمان متلاصقان يبدوان كانهما واحد ، ولكنهما غير واحد . لقد اتبع الشرق هدى البصيرة ، واتبع الغرب هدى البصر، فأنجب الأول الأنبياء ، وأنجب الثاني العلماء . فكانت هدية الأنبياء إلى العالم أديانا ترفع الأرض إلى السماء وكانت هدية العلماء علوما تهوى بالسماء إلى الأرض » . « لكنها الإنسان ، وقوى الإنسان ، من ظاهرة وباطنة ، في مد وجزر متلازمين . فللبصيرة – مثلما للبصر -- مد يتاوه جزر وجزر يتلوه مد . ومن ذا