صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/217

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۲۱۳ ولا يجد شخصيته المستقلة ، لأن هذه العناصر قوية طاغية ، بينها الشعب – في صميمه – لا يزال محافظا على طبيعته الخاصة ، وسماته الفكرية والشعورية التقليدية . وما من شك أن هناك فروقا فكرية وشعورية بين الشرق والغرب ، لم تقو عليها إلى اليوم عوامل التقارب والامتزاج ، وليس منشأ هذه الفروق اختلافا في الطبيعة البشرية ، ولكن للعوامل البيئية والتاريخية آثارا لا فكاك منها ، وهذه الآثار من العمق والشمول بحيث تكاد تنشىء فروقا في جوهر الطبيعة ، أو على الأقل فروقا في النظرة إلى مسائل الكون والحياة ، وفى مواجهة هذه المسائل ، والسلوك حيالها على نحو معين . والغبية القدرية سمة واضحة في تفكير الشرق وشعوره ، تقابلها الواقعية العملية في تفكير الغرب وشعوره . وعن هذه السمة تنشأ سمات أخرى في التفكير والشعور ، وفي التصرف والسلوك ، وهذا كله يترك طابعه في الفن إذا كان صادقا بحيث يعطى صورة من الحياة فإذا نحن نظرنا إلى أعمال أدباء الطليعة عندنا لم نكد نعثر على السمات الشرقية الأصيلة إلا في القليل من هذه الأعمال الأدبية ، بينما نجد في سلوكهم العملى كثيرا من هذه السمات ! ذلك أنهم في سلوكهم مخلصون لطبيعتهم ولوراثاتهم وفي أعمالهم الأدبية خاضعون الثقافتهم وقراءاتهم . ومعنى هذا في النهاية أن ثقافتهم جاءت أكبر من شخصياتهم ، فغمرتها وطمست معالمها ، وأننا لا نزال ننتظر الطبائع الفنية القوية التي تهضم الثقافة الأوربية ، ثم تبقى لها بعد ذلك خصائصها الأصيلة . وأقرب مثال يحضرني الآن هو « تاجور » شاعر الهند العظيم . وكذلك نجد هذه الروح في عمل رجل كتولستوى الروسى يستقى من المسيحية في روحها الشرقية الشفيفة ، قبل أن تكثفها مادية الغرب الكثيفة !