صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/203

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

۱۹۹ -- « ودار بعينيه في الميدان . وتريثت نظرته على الجموع فاحتملتها . وابتدأ يبتسم لبعض النكات والضحكات التي تصل إلى سمعه فتذكره هي والنداءات التي يسمعها بأيام صباه ... ما يظن أن هناك شعباً كالمصريين حافظ على طابعه وميزته رغم تقلب الحوادث وتغير الحاكمين . ( ابن البلد ) يمر أمامه كانه خارج من صفحات ( الجبرتي ) اطانت نفس إسماعيل وهو يشعر أن تحت أقدامه أرضاً صلبة . ليس أمامه جموع من أشخاص فرادي ، بل شعب يربطه رباط واحد : هو نوع من الإيمان ، ثمرة مصاحبة الزمان ، والنضج الطويل على ناره . وعندئذ بدأت تنطق له الوجوه من جديد تمعان لم يكن يراها من قبل . هنا وسول فيه طمأنينة وسكينة ، والسلاح مغمد . وهناك نشاط فيه قلق وحيرة وجلاد لا يزال اور على أشده ، والسلاح مسنون . ولم المقارنة ؟ إن المحب لا يقيس ولا يقارن ، وإذا دخلت المقارنة من الباب ولى الحب من الناقدة ... « وغاب لحظة في أفكاره ؛ فإذا به ينتبه على صوت شهيق وزفير عميق يجوبان الميدان . هذا هو سيدي العتريس ولا ريب ب . رفع بصره . القبة في غمرة من ضوء بتأرجح يطوف بها . انتفض إسماعيل من رأسه إلى أخمص قدميه . أبن أنت أيها النور الذي غبت عني دهراً ... مرحبا بك ! لقد زالت الغشاوة التي كانت ترين على قلبي وعينى . وفهمت الآن ما كان خافيا على". لا علم بلا إيمان . إنها لم تكن تؤمن بي . إنما إيمانها بيركتك أنت وكرمك ومنك . بيركتك أنت يا أم هاشم ... « ودخل إسماعيل المقام مطأطأ الرأس فأبصره يرقص عليه ضوء خمسين شمعة زينت جوانبه . والشيخ درديرى يتناولها واحدة واحدة من فتاة طويلة القامة سمراء اللون ، جعدة الشعر ... هي نعيمة ... ( وكانت قبل سفره مومسا تزور أم هاشم لتساعدها على التوبة ، وقد نذرت لها خمسين شيعة لوتاب الله عليها وعصمها مما هي فيه من ابتلاء )