صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/202

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

– ۱۹۸ – عن يد تمد إليهم ، فإذا وجدوها أغرقوها معهم ! إن هذه العواطف الشرقية مرذولة مكروهة ، لأنها غير عملية وغير منتجة . وإذا جردت من النفع لم يبق إلا اتصافها بالضعة والهوان . إنما هذه العواطف قوتها في الكتمان لا في البوح ! » وصارع . ولكن روح الغرب ممثلة في مارى كانت أقوى منه . فسقط صريعاً . ثم أنقذته . أنقدته بجسدها ولذائذه ، وبمرحها ومعاونتها ، وبرياضات الريف ونزهاته . فصحا . ولكنه استحال خلقا آخر . هو هذا الخلق الذي كنا منذ لحظة نلقاه في ميدان السيدة ساخطاً على هذا الشرق الذليل ! ولكن روح الشرق ايست من الضعف كما حسب إسماعيل . فها هي ذي ترده إليها ، وتستنقذه من هذا الجفاف الروحي ، ها هو ذا يحاول شفاء فاطمة بطبه فيصيبها العمى ، وها هو ذا يحطم « قنديل أم هاشم » فتنهال عليه الجماهير لكما وضربا حتى يفقد النطق ، لولا أن ينقذه من الجماهير الغاضبة «الشيخ در دیری» خادم الضريح ، وها هو ذا أبوه وأمه يفقدانه بعد ما أنفقا عليه من دمهما ولحمهما سبع سنين ، وها هو ذا يخرج شريداً إلى « بنسيون » امرأة يونانية يرى فيه وجه أوربا المادي الطامع الشره الناضب العطف والضمير ! ثم ها هو ذا يعود . يعود إلى ميدان أم هاشم . يعود كالمشدود بسلاسل سحرية للوقوف في هذا الميدان ، وهو لا يدري ما الذي يشده إليه . عاد بعد المعركة العنيفة التي قاساها في عودته كالمعركة التي قاساها في ذهابه ! عاد في ليلة القدر : « ابتدأ يطيل وقفته في الميدان ويتدبر ، في الجو ، في الهواء ، في المخلوقات ، في الجادات . كلها شيء جديد . لم يكن فيها من قبل . كان الوجود خلع ثوبه القديم واكتسى جديداً . علا الكون جو هدنة بعد قتال عنيف (( بالعلم « يحدث اسماعيل نفسه : لا ذا خاب ؟ لقد عاد من أوربا بجعبة كبيرة محشوة ، عند ما يتطلع فيها الآن يجدها فارغة ، ليس لديها على سؤاله جواب . هي أمامه خرساء ضئيلة ، ومع خفتها فقد رآها ثقلت في يده فجأة !