صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/201

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

ما أبشع رياء هذا المنظر وما أقبحه ! سرعان ما بدأ الناس يتحككون بها كأنهم كلاب لم يروا في حياتهم أنثى ! هنا جمود يقتل كل تقدم ، وعدم لا معنى فيه للزمن ، وخيالات المخدر ، وأحلام النائم والشمس طالعة ... « وشعر إسماعيل بأن هذه الجموع أشلاء ميتة تطبق على صدره ، وتكتم أنفاسه ، وتبهظ أعصابه ... يصطدم به المارة كأنهم عمى يتخبطون هذا الرضى عجز ، وهذه الطيبة بلاهة ، وهذا الصبر جبن ، انحلال ، وهذا المرح . - - ۱۹۷۴ t « انفلت إسماعيل من الزحام وجرى إلى الجامع ودخله ، واجتاز الصحن إلى الحرم . المقام يتنفس بدل الهواء أبخرة ثقيلة من عطور البرابرة . هذا هو القنديل قد علق التراب بزجاجه ، واسودت سلسلته « هبابه » تفوح منه رائحة احتراق خانقة . أكثر ما ينبعث منه دخان لا بصيص ضوء . هذا الشعاع إعلان قاتم للخرافة والجهل ... ... وهكذا تبدل إحساسه بالميدان وبالناس وبالضريح وبقنديل أم هاشم . تبدل بعد أن تلقت روحه ضربات « ماری » صديقته في انجلترا . تلك التي كانت تهبه كل شيء ثم تمتطى دراجتها وتذهب لتقابل صديقها الجديد ، وهي نلوح لاسماعيل بيدها : وداعا . أو إلى اللقاء ! تلك التي : « رأته يطيل جلسته بجانب الضعفاء من مرضاه ، ويخص بعطفه من يلحظ فيه آثار تخريب الزمن للأعصاب والعقول – وما أكثرهم في أوربا – يجلس صامتاً ينصت لشكواهم . وكان أكبر كرم منه أن يماشى منطقه منطقهم المريض . لحظته « مارى » وحلقة المرضى والمهزومين تطبق عليه يتشبثون به ، كل يطلبه لنفسه ، فأقدمت وأيقظته بعنف : . « أنت لست المسيح بن مريم ! » و « من طلب أخلاق الملائكة غلبته أخلاق البهائم ! » و « الإحسان أن تبدأ بنفسك » هؤلاء الناس غرقى يبحثون