صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/200

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

<-197- والآن فإلى الصورة الثانية : فاسماعيل قد عاد من أوربا بروح جديد . عاد فرداً معتزاً بفرديته ، طبيباً معتزاً بعلمه ، متمدناً معتزاً بتمدنه . عاد ينفر من الخرافة والجهل والرضى بالواقع والإحالة إلى المجهول . المسكنة ومنذ لحظة كان في بيت أبيه يحطم زجاجة الزيت . زيت قنديل أم هاشم لأنه لحظ أمه تقطر منها في عيني فاطمة الموشكتين على الظلام . ثم يفر آبقا من الدار ، اشمئزازاً وضيق بهؤلاء الناس ، وبمصر وبالمصريين : کدأ به بخلق غفير . ضربت عليهم « أشرف على الميدان فإذا به يموج وثقلت بأقدامهم قيود الذل . ليست هذه كائنات حية تعيش في عصر تحرك فيه الجماد . هذه الجموع آثار خاوية محطمة كأعقاب الأعمدة الخربة ، ليس لها ماتفعله إلا أن تعثر بها أقدام السائر . ما هذا الصخب الحيواني ؟ وما هذا الأكل الوضيع تلتهمه الأفواه ؟ يتطلع إلى الوجوه فلا يرى إلا آثار استغراق في النوم كأنهم جميعاً صرعى أفيون 4 لم ينطق له وجه وأحد بمعنى إنسانى . هؤلاء المصريون : جنس سمج ترثار ، أقرع أرمد ، عار حاف ، بوله دم ، وبرازه ديدان ، يتلقى الصفعة على قفاه الطويل بابتسامة ذليلة تطفح على وجهه ؟ قطعة « مبرطشة » من الطين أسنت . ومصس في الصحراء ، تطن عليها أسراب من الذباب والبعوض ، ويغوص فيها إلى قوائمه قطيع من جاموس تحيل يزدحم الميدان ببائعي اللب والفول وحب العزيز . 6 و نبوت الغفير ، والهريسة ، والبسيسة ، والسمبوسكة ، بمليم الواحدة . في جنباته مقاه كثيرة على الرصيف بجوار الجدران ، قوامها موقد وإبريق وجوزة . أحياء ی لم تعرف الماء منذ سنين ، الصابون عندها والعنقاء سواء ، تمر أمامه فتاة مزججة الحواجب ، مكحلة العينين ، شدت ملاءتها لتبرز عجيزتها وطرف ثوبها ، وتحجبت ببرقع يكشف عن وجهها . وما معنى هذه القصبة التي تضعها على أنفها ؟ أف !