صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/18

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١٤ –

وإذا صح هذا في « أسماء الذوات » وهي قريبة الإدراك سهلة التصـور، والاختلاف فيها محدود لأنها موكولة – في الغالب – إلى الحواس، فكم يكون مقدار الاختلاف في إشعاع ألفاظ المعاني. كالحب والبغض، والمروءة والنذالة، والذكاء والغباء، واللذة والألم ؛ ثم كم يكون الاختلاف فيها تشعه – بعد ذلك – النصوص التي تتولى تصوير عاطفة من العواطف، أو خيالا من الأخيلة أو حالة من الحالات النفسية على وجه الإجمال ؟

وقد يكون هذا الاختلاف نعمة جميلة في عالم الفنون بما يجدد من أنماط القول وصور الأداء، وبما يعرضه من عوالم النفوس، وغرائب الشخصيات. ولكنه – مع هذا أو بسبب هذا – يخلق لنا عناء ء لعل عناء، بتعارض الآراء في الأثر الأدبى الواحد، بل الأداء الفني الواحد، بالقياس إلى ما يشعه من الصور في الأذهان، وما يستحضره من الحالات في النفوس.

***

وهنا نصل إلى النتيجة الأولى من هذا البحث. وهي مناقشة مدى حق القارىء في نقد ما يلقى إليه من الأعمال الفنية، والحكم عليها حكما موضوعيا على قدر الإمكان.

ليس الناس سواء في تجاربهم الحسية والنفسية في الحياة، وبعضهم – ولا شك – أغنى من بعض في رصيد هذه التجارب.

وأسباب الغني والفقر في هذا الرصيد كثيرة متنوعة. فقد ترجع إلى سعة الطبيعة النفسية أو ضيقها، وقوتها أو ضعفها، وعمقها أو سطحيتها، وقد ترجع إلى اللون الذي تصطبغ به هذه الطبيعة، فنهش لهذا اللون من الإحساس أو ذاك وتتفتح لمظاهر من الحياة دون الأخرى كأن تتفتح لمظاهر الضخامة والعنف والجموح في الكون وتنقبض عن مواطن الدعة والهمس والخفاء… الخ