صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/179

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

<- 110- والأقدار تسخر سخريتها الدائبة ، ودورة الفلك تمضى إلى مداها. كأن لم يكن قط جرح ولا جريح !!! ...

حياة هذه الأسرة وجروحها وأحداثها وأحاديثها هي محور القصة ، وقد أدار المؤلف حول هذا المحور حياة أهل القاهرة في هذه الفترة من فترات الهول أيام الغارات ، فعرض منها لوحات بسيطة صادقة تشبه في بساطتها وصدقها فطرة هذا الشعب الطيب الفكه المؤمن المستسلم للقدر ، المتأثر بشتى الخرافات والدعايات ، ومن بين الصور التي عرضها صورة مقاهي خان الخليلي و « غرزه » أيضا . وقد حوت أشكالا وشخصيات لم تكن لتجتمع إلا في مثل هذا الحي الغريب حقاً ؛ كما رسم صورة مقاهي حى السكاكيني و « شلل » الشبان فيه ! وسجل أطوار المقامرين ومجالسهم رسما قوياً في جو مزيج من الجد والدعابة ! ولقد كان هذا الإطار من مكملات الصورة الأصيلة ، كما كانت الريشة في يد المؤلف هادئة وئيدة ، فوفق في إبراز الملامح والقسمات الجزئية ، وساير الحياة مسايرة طبيعية بسيطة عميقة ، منتفعاً إلى جانب مهارته الفنية بمباحث التحليل النفسي دون أن يطغى تأثره بها على حاسته الفنية الأصيلة ؛ وعاشت في القصة م عدة شخصيات ، من خلق المؤلف لا تقل أصالة عن نظائرها في الحياة ! ولكن ليست المهارة الفنية في التسلسل القصصى ، والبراعة الصادقة في م الشخصيات ، والدقة التامة في تتبع الانفعالات ... ليست هذه السمات وحدها هي التي تعطى القصة كل قيمتها إن هناك عنصراً آخر هو الذي يخرج بالقصة من محيطها الضيق ، محيط شخصياتها المعدودة ، وحوادثها المحدودة في فترة من فترات الزمان ، إلى محيط الإنسانية الواسع ، ليصلها هناك بدورة الفلك ، وحلبة الأبد ...