صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/178

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ١٣٤ - والتردد ... في هذه اللحظة الحاسمة يسخر القدر سخريته العابثة ، فيطلع له في الميدان منافسا قويا لا يملك منافسته ، بل لا يملك حتى أن يشفى نفسه منه بالحقد عليه ! إنه أخوه وربيبه « رشدی عاكف » لقد نقل في هذا الوقت من فرع بنك مصر في أسيوط إلى المركز الرئيسي بالقاهرة . وإنه لا يعلم من أمر أخيه الكبير شيئا . إنه شاب جسور مغامر بل مستهتر ، حاد العاطفة لا يعرف التردد ولا الحذر إنه الوجه المقابل لصورة أخيه وفى اليوم الأول يلمح الوجه الجميل فيستهويه . عندئذ يسلك إلى قلب الفتاة طريقه المباشر في غير ما حذر ولا تردد ، ويقطع الطريق الطويل الذي أنفق أخوه في قطعه أشهراً ... في يوم أو يومين . فيتصل ويصبح حبيباً ومحبوباً ، وفرداً من أسرة الفتاة ... ! وأخوه يتطلع إلى هذا الانقلاب في دهشة بالغة ، وفي ألم كسير وفى يأس مرير ، وفى إعجاب كذلك بأخيه الجسور ! ! ويقضى الشاب مع فتاته أويقات حلوة ، يسكران فيها بكأس الحب الروية ، ويقطفان معا أجمل زهرات الحب الجميلة وذلك ريثما يضرب القدر ضربته الأخيرة ، فيمرض الشاب المغامر بالسل نتيجة لإفراطه في الشراب والسهر والمقامرة مع رفاق حى السكاكيني . ولكنه يمضى في استهتاره ثقة بشبابه وخشية هذه الفتاة ! أن يعلم الناس بمرضه ، وأن تعلم من الناس خاصة ... وفي اللحظة التي يلمس الحب الحقيقي قلبه العابث ، فيملؤه جدا ، ويتوجه إلى اتخاذ خطوة عملية حاسمة ، تكون الأقدار قد ضربت ضربتها الأخيرة فيستشرى الداء في الصدر المسلول ، ويذهب الشاب بعد ليلات مريرة من الضني والعذاب ، وبعد أن تبين أن فتاته الحبيبة تخشى منه العدوى ، فلا تراه ! ثم تغادر الأسرة الحي في النهاية ... تغادره وقد فقدت الشاب الصبوح الفتى الجرىء . وقد انطوى قلب عاكف على جرح جديد ، بل على جرحين في جرح .