صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/177

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- ۱۷ - الطبيعية ، فانطوى على نفسه واستراح إلى اليأس بعد الفشل المكرور ؛ وقد ترك هذا الفشل في نفسه مرارة لا تمحى ، ولون شخصيته تلوينا معينا ، ودس فيها عيوبا شتى . ولكنه وقد عجز عن الطموح جعل العزوف عن المطامح سلوته ، والترفع عن الوسط طابعه ، وآوى إلى مكتبته وكتبه ، وهى مثله تمثل جيلا مضى وتعرض مباحث قديمة لا صلة لها بالحاضر وما فيه ، فزاده هذا بعداً عن الجيل وإيغالا في التاريخ وحينها انتهى من تعليم أخيه الصغير تعليما عاليا كان قد ناهز الأربعين . كان قد شاخ ، فأحس أن الأوان قد فات ، وسار في طريقه يقطع الحياة كالأجـير المسخر ، منطوياً على نفسه ، وقد أورثه الفشل والعزلة طابع التردد والتخوف والحذر من كل خطوة إيجابية ، فهو يعيش في داخل نفسه عاجزاً عن تحقيق تصوراته وتجسيم خيالاته ! 4 ولكن القدر الساخر لا بدع الناس يستريحون ـ ولو راحة اليأس المريرة - إنه يطلع على هذا الكهل – كما يسميه المؤلف – بوجه جميل يلوح له في النافذة المقابلة . إنه وجه فتاة صغيرة لا تزال طالبة بالمدرسة . إنها تصلح أن تكون ابنته ولكن هذا الوجه يبسم له فيثير في نفسه كوامن المشاعر النائمة ، على حين يدركه ا حذره وتردده ، وخجله من فارق السن السحيق وتمضى الأيام وهو في شغل مقعد مقيم بهذا الحادث الجديد الذي يهز كيانه الضعيف هزاً عنيفاً متواصلا بين الإقدام والإحجام . ويبدع المؤلف في تصوير شتى النوازع والاتجاهات في هذه النفس المعقدة ، وفي نفس الفتاة الصغيرة ، تلك الأنثى المهيأة لحياة البيت والزواج . وفي اللحظة التي يكاد يقدم فيها على الخطوة الحاسمة في حياته ، وقد تندى قلبه الجاف ، وترعرعت البذور المطمورة في أعماقه تحت أكداس اليأس والفشـل