صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/164

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- 160 - ولكن الرشيد نفسه لم يكن في الأسطوري الذي يعيش في بعض الأذهان عظمة عهده . ذلك أنه كان وارثا للعظمة التي أسسها المنصور ودعمها المهدى ، فكان نصيبه هو نصيب الوارث لرصيد ضخم قد يستأهله ولكن عمله فيه محدود ، وهو على أي حال لا يبلغ عظمة المنصور العبقرية في بناء الدولة ، ولا عظمة المأمون الفكرية في بناء الحضارة العقلية - والذي يؤخذ من وفاته صغيراً في نحو الخامسة والأربعين ، ومن تصرفاته كذلك ، أنه كان عصبي المزاج ، سريع الانفعال ، كثير التقلب من طرف إلى طرف في المشاعر الإنسانية ، مغرفاً في المتاع ، مفرطاً في الشهوات – على ما كان ينتابه من نوبات الزهد وانفعالات العبادة ، فتلك سمة هذا المزاج المتقلب – وكان لهذا كله أثره في معاجله المنية له في شرخ الشباب . والآن نعود إلى السؤال الذي أرجأنا الإجابة عنه ، فنسأل : أوفق المؤلف أم لم يوفق من الناحية الفنية البحتة . وزاد في الثروة الفنية والنفسية بمخالفة التاريخ أم لم يزد ؟ . والإجابة على هذا تقتضى أن نوقع حوله بضعة تقاسيم ، قبل أن تدخل في الصميم ! إذا كان العمل الفني غير مطالب بموافقة الحوادث التاريخية الجزئية ، فإنه مطالب بصحة تصوير الجو التاريخي العام . وقد كانت الفرصة سانحة للمؤلف ليصور عهد الرشيد كله في ضوء نكبة البرامكة . ولكنه ضيق الدائرة فكاد يحصرها في قصر الرشيد وفي دسائس القصر حول البرامكة ومكايد نسائه وثورة بغداد ، وعلى الهامش ثورة مصر وثورة الشام ، وهي الثورات التي ألم بها المؤلف في الطريق ولقد كانت حياة العصر وحياة الرشيد نفسه أوسع من أن تحصر في هذا