صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/163

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الهوى الآثم مجالا فسيحا لتصوير النفس البشرية – في أحد جوانبها – ولتصوير الجانب الداعر كذلك من الحضارة العباسية – وهو موجود بلا مراء مع جوانبها الأخرى . كما يجد مجالا لتصوير الدسائس تحاك حول البرامكة من الحاسدين والموغورين ، وتثير انفعالات النقمة وأحاسيس الشرف في نفس الرشيد ... الخ . ولكن «عزيز أباظة» بفطرته الطيبة ، وبطهارة ضميره ونقاوته ، ثم بتجربته العائلية المقدسة لديه ، لا يجنح إلى استلهام مثل هذا الجانب في حياة الناس ، فهو موكل بالحديث عن العواطف الزوجية ورفعها إلى مستوى الطهارة المقدسة من جهة ، وإلى مستوى الإحساس الفني من جهة أخرى – ولما كانت الحياة الزوجية بحكم هدوئها وتسلسلها قد لا يجد الفن فيها من الوهج والحرارة ما يجعلها تدخل دائرته ، فقد توكل بها هذا الشاعر العاطفي ، ينفث فيها من الوهج ، ويبعث فيها من الحرارة ما يرفعها إلى المستوى الفني في أعماله كلها ، سواء في ذلك « أنات حائرة » أو « قيس ولبنى » أو روايته « العباسة » الأخيرة . ولهذا اختار أسطورة الزواج الصوري – وما فيه من تطلع وحرمان – ليوقع عليها أنغامه وأحرها وايرتفع بنغات الحب الزوجي إلى مستوى نغمات الحب أعذب ( - 109 - . D العذري في جميع العصور وها قد رأينا أنه لم يكن هناك تجريح لجعفر ولا للعباسة ، بل كان هناك تطهير لها ، إذا نحن راعينا بعض الروايات التي تقصها الأخبار أما شخصية الرشيد فأنا ألاحظ أنها بدت في الرواية أصغر مما هي فعلا بل لقد بدت زرية في بعض المواقف . ولكني لا أذهب في هذا مذهب الذين يقدسون الرشيد وينظرون إليه بعدسة الأساطير المكبرة والواقع أننا نخلط في تصورنا بين عظمة عهد الرشيد والرشيد نفسه وهذا الخطأ التاريخي ... فعهد الرشيد كان عظيها بالفعل – وإن لم يبلغ إلى المستوى دو