صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/161

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

تدور المسرحية على « نكبة البرامكة » هذه النكبة التي طالما هزت مشاعر الشعراء في حينها وبعده بعشرات السنين ، حتى لقد كان بعض الشعراء يعرض نفسه للموت في أيام بني العباس ليطوف خفية بقبور البرامكة منشداً مآثرهم . كما ورد في بعض الأخبار - ١٥٧ . . ليس عجيباً إذن أن تعود هذه المأساة فتحرك شاعراً عاطفياً مثل عزيز أباظة في القرن العشرين . وللمأساة جانبها التاريخي الراجح ، وجانبها الأسطوري الذي يصاحب عادة مثل هذه المآسي . والذين تتبعوا عزيز أباظة في « أنات حائرة » وفي « قيس ولبني » ، وعرفوا منهما لون مزاجه لم يكونوا ليشكوا في أي الجانبين يختار ليقيم على أساس روايته ، هذا فان المؤلف حين أقام روايته على الجانب الأسطوري المستند على ه خرافة زواج العباسة الصوري وفتوى أبي يوسف بحل النظر وحده تمكيناً للرشيد من أن يجمع بينها وبين جعفر في مجلسه » . لم يغفل الجانب التاريخي خوف الرشيد من طموح البرامكة إلى الخلافة أو تسليمها للطالبيين وهو منافسي العباسيين ( وبخاصة بعد موقف جعفر البرمكي من يحيى الطالبي ) وغيرته من البرامكة الذين أسلمهم مقاليد الأمور في الخلافة . فعلوا حتى على الخليفة ، وانصرف إليهم الشعراء والقصاد بالأماديع والمطالب ... ولكن المتتبع للرواية يلمح ميلا ظاهراً إلى ترجيح المؤلف للجانب الأول واتكائه عليه في بناء الرواية كله . وليس لأحد أن يملى على المؤلف اتجاهاً معينا : إلى التاريخ الراجح أو الأسطورة الشائعة ، أو إلى المزج بينهما مزجاً متعادلا أو غير متعادل ، فالعمل الفني حر في اختيار طريقه ، وكل ما لنا هو أن نسأل في النهاية أو فـق أم لم يوفق الناحية الفنية البحتة ؟ وهل أضاف ثروة فنية أو نفسية إلى الرواية بمخالفة للمأساة التاريخ ؟ ... وهذا ما سنجيب عنه بعد قليل .