صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/151

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- 147 - وليس كل كائن في الحياة موجودا بالقياس إلى النفس الإنسانية ، إنما تملك النفس ما تفطن له وما تنفعل به ، واللحظة القصيرة تطول وتضخم إذا هي امتلأت بالأحاسيس وأفهمت بالانفعالات ، والتقطت العين والنفس كل أو معظم ما تنطوى عليه من الدقائق والتفصيلات . وكذلك يصنع المازني باللحظات ، وكذلك يملؤها حتى يكظها ويرحمها بالانفعالات . وقد لا يبلغ أغوار الحياة ولا قلالها ، ولكنه يذرعها طولا وعرضا ويلحظ كل دقيق لا تأخذه العيون ، فإذا هو في حفل من الصور والحركات والتصورات ، وإذا هو يعيد إليك هذه الصور المتحركة في حرارة فائرة كأنها حية حاضرة . تلك مزية المازني التي لا نظير له فيها في اللغة العربية كلها ، إلا ما قد يقع لابن الرومي في بعض قصائده ، مع الفارق بين قيود النظم وضروراته ، وانطلاق النثر وحريته

وبعد فما قيمة « إبرهيم الثاني » التي كنا ننوى الحديث عنها ، فأعدانا المازني في هذا الاستطراد ! هي قصة قلب إنساني يضطرب في عواطفه اضطرابا طبيعيا حيا صادقا تجاه ثلاث من النساء ، كل منهن نموذج من المرأة يلتقى مع الأخريات في الجنس ويفترق في الطراز . وكل منهن امرأة طبيعية في هذا الاتجاه . وهو قلب إنساني حافل بالتجارب مثقل بالقيود – وفي أولها قيد المعرفة ولكنه فائض بالحيوية ، زاخر بالعواطف ، يضطرب، بين الأثقال ، هذه القيود والمؤلف الواعى يسجل كل حقيقة وكل اختلاجة في الثقيل ويتفلت من .