صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/149

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

11201 الأجنة عن جوارحه ، واستنشاق هوائه بأنفه ؛ وأن ليس أخسر صفقة في موازيننا من عمل داع إلى جديد ، لأن أنصار الجديد قليل في كل جيل ، والفاهمين منهم لا ينصرون أقل من القليل . ولا يزال هؤلاء الأنصار قلة متوارية أو كاشفة كتوارية ، حتى إذا كثروا وانتشروا والتف شملهم ، واشتد أزرهم ، ضاع المقياس الذي يقاس به فضل الداعي ، ونسى عمله ، وبدا للخالفين من بعده كالذي يحمل المعول الكبير يضرب في الهواء ، ويغضب به على الفضاء ، ويتصبب عرقا في غير شيء . ذلك لأن السد الذي كان أمامه ، والذي كان لا يبر يبرح قائما قاعدا يضر به ، ويفنى عافيته وخطوطه وآماله في هدمه يكون قد عفا في ذلك الحين ، وتمهد مكانه الطريق سهلا سويا تدوسه السابلة ، ولا تتعثر فيه أقدام الأطفال ؛ ولا يبقى له من الأثر إلا ذلك الجهاد المغموط البادي للمين في تلك الصورة العابثة الهازلة – أو قل الضحكة - صورة الضارب بالمعول في أحشاء الفراغ ... ولا والله ما هي بعبث هازل ، ولا ضحك ضاحك ، ولكنها صعقات وأهوال وأشجان . أما جزاء ذلك الداعي الشهيد على ما أسلف من الخير ، وبذل من مهجة القلب ، فمن ذا الذي يعنيه أن يذكره ؟ لعله يبقى مدخرا في ذمة « أبو لون » وناهيك بما في ذمم الأوثان المعبودة من هضم وسعة » . ا جهد المازني أدركني عطف كبير وأنا أقرأ هذه السطور وتلك ، وأراجع وجهد العقاد في التمهيد نحو ربع قرن من الزمان ، ووددت لو كان المازني بجانبي حينئذ ، لأقول له : من « لا يا مازنى ، إن نصيبك ونصيب زميلك لأكبر مجرد التمهيد ، فلقد بنيت بعد ذلك -- على طريقتك بنايات جميلة نابضة بالحياة في « إبراهيم الكاتب ، وإبراهيم الثاني ، وفي صندوق الدنيا ، وفي الطريق» كما أقام هو – على ( م – ۱۰ ) 1