صفحة:كتب وشخصيات (1946) - سيد قطب.pdf/133

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

أما النتيجة الثانية ، فهي أن طبيعة موهبة توفيق الحكيم هي طبيعة التجريد وطبيعة الرمز والتشخيص . الحياة في عالمه هي تلك الهواجس الفكرية ، والخواطر الذهنية . والتأمل هو وسيلته لفهم هذه الحياة وتمليها . والجانب الذهني في النفس الإنسانية هو الذي يهمه ويسترعى انتباهه . أما الطبع ووشائج اللحم والدم ، وصراع الغرائز ، واضطرام الحيوية – وبتعبير آخر مجمل : الطبيعة البشرية الحية – فلا تنال التفاته ، ولا تسترعى انتباهه ومعظم مخلوقات توفيق الحكيم مخلوقات غير طبيعية ، لأنها مصورة بريشة الذهن المجرد ، لا بريشة الحياة المتدفقة – على تفاوت في حظ هذه المخلوقات من هذه الصفة وتلك – وقلما نلتقى في الحياة بأحد هذه المخلوقات التوفيقية ، إلا حين تجرد الأحياء من بعض خصائصهم الآدمية ، أو ننظر إليهم من زاوية الذهن المجرد – مع استثناء قليل في بعض شخصيات أهل الكهف ، ومع استثناء في شخصيات « عودة الروح » و « عصفور من الشرق » و « يوميات نائب في الأرياف » و « أهل الفن » . )) وهذه المخلوقات الذهنية تعجبنا وتروقنا وتستلفت أنظارنا – لأنها منسقة سيقا فنيا معجبا - ولكنها قلما تستدعى التعاطف الوجداني بيننا وبينها ، وقلما تستثير عطفنا عليها في المحنة ، أو مشاركتنا إياها في السرور ! إنها مخلوقات غريبة – بعض الشيء عالمنا البشرى . ولا جناح علينا نحن أبناء الطبيعة – أن نحب مخلوقات الطبيعة أكثر مما نحب مخلوقات توفيق الحكيم ؛ وأن نفتح مغاليق نفوسنا لتلك ، وتمنح هذه انتباهنا الذهني ، ثم يكون بيننا وبين الأولى حرارة الحياة ، وبيننا وبين الثانية آلاقة التنسيق . وقد عرفت الآن لماذا نالت : « أهل الكهف » إعجاب الدكتور طه حسين ( م – ۹)