صفحة:في ظلال القرآَن (1953) - سيد قطب.pdf/25

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢۱ –

والبر بضعاف الخلق، والتضامن بين عباد الخالق . قيمتها الشعور بالآصرة الإنسانية، وبالأخوة البشرية. قيمتها تطهير النفس من الشح، وتزكيتها بالبر. قيمتها أنها ترد الحياة مجال تعاون لا معترك تطاحن؛ وأنها تؤمن العاجز والضعيف والقاصر، وتشعرهم أنهم يعيشون بين قلوب ووجوه ونفوس، لا بين أظفار ومخالب ونيوب! ا « والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك » .. وهذه ما قيمتها كذلك ؟ .. قيمتها هي الشعور بوحدة البشرية، ووحدة دينها ووحدة رسلها. قيمتها هي تنقية الروح من العصبية الذميمة ضد الديانات وأصحاب الديانات. قيمتها هي الاطمئنان إلى رعاية الله للبشرية على تطاول عهودها وأحقابها، هذه الرعاية البادية في توالى الرسل والرسالات بدين واحد وبهدى واحد. قيمتها هي الاعتزاز بالهدي الذي تتقلب الأيام والأزمان، وهو ثابت مطرد، كالنجم الهادي في دياجير الظلمات.

« وبالآخرة هم يوقنون » .. وهذه خاتمة السمات. الخاتمة التي تربط الدنيا والآخرة، والمبدأ بالمصير، والعمل بالجزاء؛ والتي تشعر الإنسان أنه ليس لقى مهملا؛ وأنه لم يخلق عبثاً، ولن يترك سدىً؛ وأن العدالة المطلقة في انتظاره، ليطمئن قلبه، وتستقر بلابله، ويفيء إلى العمل الصالح، وإلى عدل الله ورحمته في نهاية المطاف.

ثم تتضام هذه السمات وتتلاقي، لتؤلف بخطوطها الظاهرة وخيوطها الخفية تلك الصورة المستقيمة النقية، صورة المتقين: « الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون .. أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون » ..

***

وعند ما يتم استعراض الصور الثلاث يرتد السياق في السورة نداء للناس كافة، وأمراً للبشرية جمعاء، أن تختار الصورة الكريمة المستقيمة. الصورة النقية العاملة النافعة. الصورة المهتدية المفلحة الناجحة. صورة المتقين:

« يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ».

هكذا « لعلكم تتقون » لعلكم تصيرون إلى هذه الصورة المختارة من صور البشرية. صورة العابدين الله المتقين الله، الذين اهتدوا إلى الصراط المستقيم، فعبدوا الله وحده رب العالمين ..