صفحة:في ظلال القرآَن (1953) - سيد قطب.pdf/26

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٢٢ –

ثم يمضي السياق ليستعرض شيئاً من نعم الله على العباد، ومن رعاية الرب لخلقه؛ وهي رعاية الرحيم المربى العطوف:

« الذي جعل لكم الأرض فراشاً، والسماء بناء؛ وأنزل من السماء ماءً، فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم »

ويعقب على هذا البيان بتحذير يجيء في الأوان:

« فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون » ...

وفى ذلك النداء وفي هذا التحذير تبرز كليتان من كليات الفكرة الإسلامية: وحدة الخالق ووحدة الخليقة: « الذي خلقكم والذين من قبلكم » .. ووحدة الكون وتناسق وحداته وصداقته للحياة والإنسان: « الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم » فهذا الكون أرضه مخلوقة لهذا الإنسان وسماؤه معينة مساعدة بالماء، تخرج به الثمرات رزقاً لبني الإنسان. « فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون ».

هذا البرهان الكوني المحسوس، يتبعه في السياق برهان آخر عقلي، مصحوب بالتحدي، منظور فيه إلى افتتاح السورة بتلك الحروف: « الم: ذلك الكتاب لاريب فيه » ليتقصى في النفوس مظان الريب ومواقع الشبهات:

« وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ».

إن ذلك الكتاب المعجز مصوغ من تلك الحروف التي في أيديكم. فإن كان بشر مستطيعاً أن يصوغ منها مثله، فدونه فليفعل:

« فإن لم تفعلوا — ولن تفعلوا — فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين » . فيم هذا الجمع بين الناس والحجارة، في هذه الصورة المفزعة الرهيبة؟ لقد أعدت هذه النار للكافرين. الكافرين الذين سبق في أول السورة وصفهم بأنهم « ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة » فهم في هذه الصورة حجر من الحجر، وإن تبدوا في زي الآدميين. فهذا الجمع بين الحجارة والناس من هذا الطراز، إنما يشير إلى تلك الصورة السابقة في السياق .. ثم تجيء الحجارة هنا لترسم سمة أخرى في المشهد الفظيع. مشهد النار التي تأكل الأحجار. ومشهد الأناسيّ الذين تزحمهم هذه الأحجار في النار ..