صفحة:في ظلال القرآَن (1953) - سيد قطب.pdf/21

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ۱۷ –

إنهم يظنون في أنفسهم الذكاء والدهاء والقدرة على الخـداع .. ولكن يا للسخرية التي تنصب عليهم قبل أن تكمل الآية وقبل أن تكتمل الصورة .. إنهم من الغفلة بحيث إنهم لا يخدعون إلا أنفسهم « وما يشعرون » فالله بخداعهم عليم، والمؤمنون لا يخدعهم أحد وهم بالله موصولون.

ولكن لماذا يحاول المنافقون هذه المحاولة، ولماذا يخادعون هذا الخداع؟ .. « في قلوبهم مرض » في طبيعتهم آفة، في فطرتهم علة .. وهذا ما يحيد بهم عن الطريق المستقيم .. «فزادهم الله مرضاً » فالمرض ينشئ المرض ، والانحراف يبدأ يسيراً ثم تنفرج الزاوية في كل خطوة وتزداد. سنة لا تتخلف. سنة الله في الأشياء والأوضاع والشعور والسلوك. فهم صائرون إذن إلى مصير معلوم: « ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ».

« وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا: إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون »

إنهم لا يقفون عند حد الكذب والخداع، إنما يضيفون إليهما السفه والادعاء: « وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض » لم يكتفوا بأن ينفوا عن أنفسهم الإفساد، بل تجاوزوه إلى التبجح والادعاء: « قالوا: إنما نحن مصلحون » هكذا بلا بينة ولا دليل. « ألا إنهم هم المفسدون » ولكنهم من الغفلة « لا يشعرون ».

« وإذا قيل لهم: آمنوا كما آمن الناس. قالوا: أنؤمن كما آمن السفهاء؟ ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون »

إذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس. النـاس المستقيمون على الصراط، الذين يستحقون أن يقال لهم « الناس » بما فيهم من مقومات الإنسانية العليا، وبما فيهم من استعداد للمعرفة والاستجابة .. إذا قيل لهم: تعالوا إلى مألوف الناس ومعروفهم لم يكتفوا بالاعتذار عن مخالفتهم للناس، وانحرافهم عن الطريق .. ولكن توقحوا وسفهوا، و «قالوا: أنؤمن كما آمن السفهاء؟ » عندئذ مجيئهم الرد حاسماً جازماً: « ألا إنهم هم السفهاء » .. « ولكن لا يعلمون » ومتى علم السفيه أنه سفيه؟ ومتى استشعر البذيء أنه بذيء؟

« وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا: إنا معكم إنما نحن مستهزئون ».

( ٢ – في ظلال القرآن [۱] )